على ذلك العجائزَ والصِّبيانَ والأعراب، كما فَطَرهم على
الإقرارِ بالخالقِ تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ،
فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ َيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا
تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ
جَدْعَاءَ؟» ([1])، ثم يقول أبو هريرة ([2]): «اقرءوا إن
شئتم: {فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ
عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ﴾[الروم: 30] ».
وهذا معنى قولِ عمر بن عبد العزيز: عليك بدِينِ الأعرابِ والصِّبيان في الكِتابِ، وعليك بما فطرَهم اللهُ عليه، فإنَّ اللهَ فطَرَ عبادَه على الحَق، والرُّسلُ بُعِثوا بتكميلِ الفطرةِ وتقريرِها، لا بتحويلِ الفطرةِ وتغييرِها، وأما أعداءُ الرُّسُلِ كالجهميةِ الفرعونيةِ ونحوِهم، فيُريدون أن يُغيِّروا فطرةَ اللهِ ويُورِدون على الناسِ شُبُهاتٍ بكَلماتٍ مُشتَبِهات، لا يَفهمُ كثيرٌ من الناسِ مقصودَهم بها ولا يحسُنُ أن يُجيبَهم، وأصْلُ ضلالِهم تكلُّمُهم بكلماتٍ مجملة لا أصلَ لها في كتابِه ولا سُنَّةِ رسولِه، ولا قالها أحدٌ من أئمةِ المسلمين، كلفظِ التحيُّزِ والجِسمِ والجِهَةِ ونحوِ ذلك، فمن كان عرَّافًا بحلِّ شُبُهاتِهم بينها، ومن لمْ يكُنْ عارفًا بذلك فليُعرِضْ عن كلامِهم، ولا يَقبلُ إلاَّ ما جاء به الكتابُ والسُّنة، كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۚ﴾[الأنعام: 68] ومن يتكلَّمْ في اللهِ وأسمائِه وصفاتِه بما يُخالفُ الكتابَ والسُّنةَ فهو من الخائضين في آياتِ اللهِ بالباطل، وكثيرٌ من هؤلاء يَنسِبُ إلى أئمةِ المسلمين ما لمْ يقولوه؛ فينَسبون إلى الشافعيِّ وأحمدَ بنِ حنبلٍ
([1])أخرجه: البخاري رقم (1292)، ومسلم رقم (2658).
الصفحة 4 / 458