×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وأما قُربُه اللاَّزِمُ من عِبادِه بعِلْمه وقُدرتِه وتَدبيرِه فقَولُه سُبحانَه: {وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ[ق: 16]، من النَّاس طَوائِفُ عِندَهم لا يَحتَاج إلى تَأوِيل، ومِنهُم مَن يُحْوِجُها إلى التَّأويل.

ثم أقول: هَذِه الآية لا تَخلُو: إمَّا أن يُرادَ بها قُربُه سُبحانَه أو قُربُ مَلائِكَته كما قد اختَلَف النَّاس في ذلك؛ فإنْ أُرِيد بها قُربُ المَلائِكَة فقوله: {إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ[ق: 17]؛ فيَكُون الله سبحانه وتعالى قد أخبَرَ بعِلْمه هو سُبحانَه بما في نَفْسِ الإنسان، وأخبَرَ بقُربِ المَلائِكَة الكِرامِ الكاتِبِين منه، ودَلِيل ذلك: قَولُه تعالى: {وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦ إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧[ق: 16- 17]؛ ففُسِّر ذلك بالقُربِ الَّذي هو حِينَ يتلَقَّى المُتَلقِّيان، وبأيِّ معنًى فُسِّر فإنَّ عِلْمَه وقُدرَتَه عامُّ التعلُّقِ، وكَذلِكَ نَفْسُه سُبحانَه لا يختصُّ بهذا الوقت، وتَكونُ هَذِه الآيَةُ مِثلَ قَولِه: {أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ[الزخرف: 80]، ومنه قَولُه في أوَّل السُّورَة: {قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ[ق: 4].

وعلى هذا فالقُرب لا مَجازَ فيه، وإنَّما الكَلامُ في قَولِه تعالى: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ[ق: 16]؛ حيث عبَّر بها عن المَلائِكَة ورُسُلِه، أو عبَّر بها عن نَفسِه أو عن مَلائِكَته، ولكن كلُّ قُربٍ بحَسَبِه، فقُربُ المَلائِكَة منه تلكَ السَّاعةَ وقُربُه تعالى منه مُطلَق، كالوَجهِ الثَّانِي إذا أُريدَ به اللهُ تعالى؛ أي: نحن أَقرَبُ إليه من حَبلِ الوَرِيد، فيَرجِع هذا إلى القُربِ الذَّاتِيِّ اللاَّزمِ، وفيه القَوْلان:

أحدهما: إِثباتُ ذلك، وهو قَولُ طائِفَة مِن المُتكلِّمين والصُّوفية.


الشرح