×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ولقوَّة الاتِّصال زعم الناس: أنَّ العالِمَ والعارِفَ يتَّحد بالمعلوم المعروف، وآخَرون يَرَون أنَّ المُحِبَّ قد يتَّحد بالمحبوب، وهذا إما غَلَطٌ، وإما توسُّع في العبارة، فإنَّه نوع اتِّحاد.

إلى أن قال رحمه الله: وإنَّما المقصود هنا أن المعروف المحبوب في قلب العارِفِ المُحِبِّ له أحكامٌ وأخبارٌ صادقة كقوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ[الزخرف: 84]، وقوله تعالى: {وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ[الروم: 27]، وقوله تعالى: {وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا[الجن: 3]، وقوله: {سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى[الأعلى: 1]، وقوله صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ» ([1]).

ويحصُل لقلوب العارفين به استواءٌ وتَجَلٍّ لا يزول عنها، يُقِرُّ به كل أحد.

لكن أهل السُّنَّة يُقِرُّون بكثير ممَّا لا يَعرِفه المبتدعة، كما يُقِرُّون باستوائِه على العَرشِ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي«قال الله: عَبْدِي، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» ([2])، فقد أخبَرَ أنَّه عِندَ عَبدِه، وجَعَل مَرَضه مَرَضه، والإِنسانُ قد تكون عِندَه محبَّةٌ وتعظيم لأمير أو عالِمٍ أو مكانٍ بحيث يَغلِب على قلبه ويُكثِر من ذِكْره ومُوافَقَته في أَقوالِه وأَعمالِه؛ فيقال: إنَّ أَحَدَهما الآخَرُ كما يقال: أبو يوسف أبو حنيفة.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (399).

([2])أخرجه: مسلم رقم (2569).