ولفظ التولِّي بمعنى التولِّي عن الطاعة مذكورة في مواضع من
القرآن؛ كقوله: {سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي
بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ
أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ
يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾[الفتح: 16]، وذمُّهُ في غَيرِ مَوضِعٍ من القرآن مَن
تولَّى دليلٌ على وُجوبِ طاعة الله ورسوله، وأنَّ الأمرَ المُطلَق يَقتَضي وُجوبَ
الطَّاعة وذَمَّ المتولِّي عن الطاعة، كما علَّق الذَّمَّ بمُطلَق المَعصِية في
مثل قوله: {فَعَصَىٰ فِرۡعَوۡنُ ٱلرَّسُولَ﴾[المزمل: 16].
وقد قيل: إنَّ التَّأبيدَ لم يُذكَر في القرآن إلاَّ في وعيد
الكفَّار؛ ولهذا قال: {وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا
فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ
وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا﴾[النساء: 93].
وقال فيمن يَجُور في المواريث: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ
مُّهِينٞ﴾[النساء: 14]؛ فهنا قيَّد المَعصِية بتَعَدِّي حُدودِه
فلم يَذكُرها مطلقةً، وقال: {وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ
فَغَوَىٰ﴾[طه: 121]، فهي
معصية خاصَّة، وقال تعالى: {حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ
وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا
تُحِبُّونَۚ﴾[آل عمران:
152]، فأخبر عن معصيةِ واقِعَةٍ معيَّنة وهي معصية الرُّماة للنبي صلى الله عليه
وسلم؛ حيث أَمَرهم بلُزوم ثَغْرِهم، وإن رَأَوا المسلمين انتصروا، فعصى مَن عصى
منهم هذا الأمر، وجَعَل أَمِيرُهم يَأمُرُهم لمَّا رَأَوا الكفَّار مُنهَزِمين
وأَقبَلَ مَن أَقبَلَ منهم على المَغانِمِ.
وكَذلِكَ قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ﴾[الحجرات: 7]، جَعَل ذلك ثَلاثَ مَراتِبَ.