3- وإنْ عُدِّيَ بـ «إلى» فمَعناهُ: المُعاينَةُ
بالأبصار ([1]).
هذهِ هيَ القاعدَةُ.
والآيةُ الَّتي
مَعنا مُعدَّاةٌ بـ «إلى»: ﴿ إِلَىٰ رَبِّهَا
نَاظِرَةٞ﴾ فهذا مُعاينَةٌ
بالأبصارِ.
وأمَّا قوْلُه
تَعالى: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ
ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ ﴾ [الأنعام: 103]
فالإدْراكُ غيرُ الرُّؤيَةِ، أنت تَرَى الشَّمسَ وتُبْصِرُها، ولكن لا تُدْرِكُها،
يعني: لا تُحيطُ بها، فلا تُحيطُ بالمَرئيِّ مِن كلِّ جانِبٍ، وإنَّما تَراهُ.
فالمُؤمنونَ يَرَوْنَ ربَّهم يَومَ القِيامَةِ، ولكن لا يُدرِكُونه، أي: لا
يُدرِكُونَ عَظَمَتَه جل وعلا، ولا يُحيطونَ به عِلْمًا. وأنتَ تَرَى الشَّمسَ،
ولكن لا تُحيطُ بجُرْمِها وحُدودِها، وهذا في المَخلوقِ، فكَيفَ بالخالِقِ سبحانه
وتعالى ؟! فنَفْيُ الإدراكِ غيرُ نَفْيِ الرُّؤيَةِ، بل قالوا: إنَّ نَفْيَ
الإدراكِ يدُلُّ على أنَّه يُرَى، ولكنّه لا يُدرَكُ، يعني: لا يُحاطُ به سبحانه
وتعالى.
وقوْلُ اللهِ
لمُوسى: ﴿لَن
تَرَىٰنِي﴾ [الأعراف: 143]
ليسَ معناهُ النَّفْيَ المُؤبَّدَ، بل: ﴿لَن تَرَىٰنِي﴾ يعني: في الدُّنيا،
بدَليلِ أنَّ الرُّؤيةَ ثَبتَتْ في الآخرَةِ.
وأهْلُ اللُّغةِ يقولونَ: إنَّ كَلمةَ «لن» ليسَتْ للنَّفْي المُؤبَّدِ، وإنَّما هيَ للنَّفْي المُؤقَّتِ.
([1]) انظر مبحث تعدي النظر بـ ((في)) و((إلى)) ومعناه في ((شرح ابن أبي العز على الطحاوية)))) (ص 209). وقال قبلها: ((وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية، وتعديته بأداة ((إلى)) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله )) ا هـ.