﴿صَفّٗا﴾ أي: يَصُفُّون
أنفسهم عند القتال ولا يزولون عن أماكنهم ﴿كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ﴾ قد رصّ بعضُهم ببعض
وألزقَ بعضُهم ببعض، فليس فيه فُرجةٌ ولا خلل.
وقوله: ﴿وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ﴾ أي: كثير المغفرة،
والغَفْر: الستر، فهو سبحانه يغفر لمن تاب إليه، أي: يستر ذنوبه ويتجاوز عن
خطاياه، ﴿ٱلۡوَدُودُ﴾ من الوُد، وهو خالص
الحب، فهو سبحانه ودود بمعنى: أنه يحبُّ أهلَ طاعتِه، وفي ذكرِ هذين الاسمين
الكريمين مقترنين سرٌّ لطيف، وهو أنه يحب عبدَه بعد المغفرة فيغفرُ له ويحبه بعد
ذلك.
الشاهدُ من هذه
الآياتِ الكريمة: أن فيها إثباتَ المحبةِ والمودةِ لله سبحانه، وأنه يحب ويَوَد بعضَ
الأشخاصِ والأعمال والأخلاق، فهو يُحِبُّ بعضَ الأشياء دون بعض على ما تقتضيه
حكمتُه البالغة، فهو يُحِبُّ المحسنين، ويحِبُّ المقسطين، ويحِبُّ المتقين، ويحب
المتبعين لرَّسُوله صلى الله عليه وسلم، ويحِب المجاهدين في سبيله، ويحب التوابين
والمتطهرين.
وفيها إثباتُ المحبةِ من الجانبين، جانبِ العبد
وجانبِ الرب: ﴿يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ﴾، ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾ ففي ذلك الرد على من
نفى المحبة من الجانبين -كالجهمية والمعتزلة- فقالوا: لا يُحَبُّ ولا يُحِبُّ،
وأوَّلوا محبةَ العبادِ له بمعنى محبَّتهم عبادتَه وطاعته، ومحبتُه للعباد بمعنى
إحسانه إليهم وإثابتهم ونحو ذلك، وهذا باطل؛ لأن مودتَه ومحبتَه سبحانه وتعالى
لعبادِه على حقيقتِهما كما يليق بجلاله -كسائرِ صفاته- ليستا كمودةِ ومحبة المخلوق .
الصفحة 4 / 220