لَهُ؛ لأنَّه لمْ يتَلَقَّ العقيدةَ مِن مَصادِرها وأُصُولِها وعَن
عُلَمائِهَا. وكما ذَكرْنا أنَّهُ لا عَملَ بِدُونِ إِيمانٍ، ولا إيمانَ بِدُونِ
عَملٍ؛ فَهُما حقيقةُ الإيمانِ، والأعمالُ مِنَ الإيمانِ، والأقوالُ مِنَ الإيمانِ،
والاعتقادُ مِنَ الإيمانِ، وَمَجمُوعُها كُلُّه هو الإيمانُ باللهِ عز وجل، معَ
الإيمانِ بِكُتُبِه وَرُسُلِه واليَوْمِ الآخِرِ والإيمانِ بالقَدَرِ خَيْرِهِ
وشَرِّهِ.
· السُّؤَال الرَّابِع:
ما أقسامُ المُرجِئَةِ؟ مَع ذِكْرِ أقوالِهِم في مسائِلِ الإيمانِ؟
· الجوابُ:
المُرجِئَةُ أربعةُ أقسامٍ:
القسم الأوَّل: الذينَ يقولونَ: الإيمانُ هو مُجرَّدُ المَعرِفَة، ولو
لَمْ يَحصُلْ تَصدِيقٌ. وهذا قَولُ الجهميَّةِ، وهذا شَرُّ الأقوالِ وأقْبَحُها،
وهذا كُفْرٌ باللهِ عز وجل؛ لأنَّ المُشركِينَ الأوَّلِينَ وفِرْعَوْنَ وَهامانَ
وقارونَ وإبليسَ كُلٌّ مِنهم يَعرِفُونَ اللهَ عز وجل بِقُلوبِهِم، لكِنْ لَمَّا
لَم يَنطِقُوا بألسِنَتِهِم، ولم يُصدِّقُوا بِقُلُوبِهِم، ولم يعمَلُوا
بِجوارِحِهم لم تَنفَعَهُم هذه المَعرفةُ.
القِسم الثَّانِي: الذينَ قالوا: إنَّ الإيمانَ هو تصديقُ القلوبِ فَقط،
وهذا قولُ الأشاعرةِ، وهذا أيضًا قَوْلٌ باطِلٌ؛ لأنَّ الكُفَّارَ يُصدِّقُونَ
بِقُلُوبِهم، يَعرِفُونَ أنَّ القرآنَ حَقٌّ، وأنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ. واليهودُ
والنَّصارَى يَعرِفُونَ ذلكَ: {ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ
يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ
لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} [البقرة: 146] وَيُصدِّقُونَ به بِقُلُوبِهِم. قال
تعالى في المُشرِكينَ: {قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ
لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا
يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} [الأنعام: 33]
فَهؤلاءِ لَم يَنطِقُوا بألسِنَتِهم وَلَم يَعمَلُوا بِجوارِحِهم معَ أَنَّهُم
يُصدِّقُونَ بِقُلُوبِهم؛ فلا يَكونُونَ مُؤمِنينَ.