فالله حذر أهل الكتاب من الغلوّ، ومن ذلك غلوّ
النصارى في المسيح حيث قالوا: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، تعالى الله
عما يقولون، ولهذا قال سبحانه: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ
عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ
رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فََٔامِنُواْ
بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن
يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ﴾ [النساء: 171].
والغلوّ قد يكون في الأشخاص كفعل النصارى مع المسيح عليه السلام، وقد يكون
في العبادة كرهبانيتهم التي ابتدعوها، وقد يكون الغلوّ في الأحكام بأن يجعل المباح
حرامًا، أو ما أشبه ذلك من مجاوزة الحكم الشرعي، ونحن منهيُّون عن الغلوّ بجميع
أنواعه؛ لأنه أهلك من كان قبلنا. ومن الغلوّ المهلك الغلوّ بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، فإن المعتزلة غالوا فيه حتى خرجوا على ولاة الأمور بحجة إنكار المنكر،
فمن أصولهم الخمسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى: الخروج على ولاة
الأمور إذا بدر منهم معصية أو مخالفة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابط
ومعايير وحدود شرعية وشروط لا يجوز تجاوزها، والبعض قد يرى أنَّ في فعله صواب وأنه
خير ولو تجاوز الحد، ولكنّ الخير كل الخير فيما شرع الله وفق هدي رسوله ونبيّه صلى
الله عليه وسلم.
وقوله: «إيَّاكم والغُلو في الدّين عام...» المقصود: وإن كان النهي عن الغلوّ جاء في مسألة حصى الجمار بأن لا يرمي الحاج بحصى أكبر