ورواه أبو داود ([1]) أيضًا من حديث
الحسن بن الحكم النَّخعي، عن عَديّ بن ثابت، عن شيخٍ من الأنصار، عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: «وَمَنْ لَزِمَ السُّلْطَانَ
افْتُتِنَ» زَادَ: «وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنَ السُّلْطَانِ دُنُوًّا إلاَّ
ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا». ولهذا كان يقولون لمن يَستغلظونَه: إنك لأعرابيٌّ
جافٍ، إنك لجِلفٌ جافٍ، يُشيرون إلى غِلَظ عقلِه وخُلُقه.
***
ما يقع أو كثير مما يقع في الرعية، فهو بحاجة
إلى أن يُزار، وأن يُناصَح، وأن يُبيَّن له وأن يُبلَّغ.
القسم الثاني: زيارة السلطان لأجل
التَّملُّق والمجاملة، أو طلب الدنيا دون نصيحة ودون بيان، وهذه مذمومة، وهي تبعث
على الفتنة؛ لأنه قد يجامل السلاطين ولو كانوا على غير طاعة، من أجل طمع في أمور
الدنيا، وفي هذا فتنة في الدين وفتنة على الزائر؛ لأنَّ الغالب في السلاطين
والملوك أن يكون عندهم نوع من التجاوزات، فإذا أتاهم هذا الإنسان ولم يبيِّن لهم
ولم ينصحهم، وجاملهم، وتساهل في دينه، فإنه يكون قد افتتن في دينه، ولا حول ولا قوة
إلاَّ بالله، فليس مِنْ معنى قوله: «وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ
افْتُتِنَ» الذّم على الإطلاق، بل لا بدَّ من هذا التفصيل.
قوله: «وَمَنْ لَزِمَ السُّلْطَانَ افْتُتِنَ» أي: حصلت له فتنةٌ في دينه، وهذا إنما يكون إذا أتى السلطان من أجل تحصيل دنيا، أو مُتابعته
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2859)، والترمذي رقم (2256)، والنسائي في «الكبرى» رقم (4802)، وأحمد رقم (3362).