فَخَافَ عُمَر الْفِتْنَةَ عَلَيْهِمُ ([1]).
*****
وهذا الكـلام في
موضوع البقـاع والأمكنة التي صلّى فيهـا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسؤال:
هل تتخذ مصليات بعده، ويقتدى به في ذلك، أو لا؟ ذكر الشيخ فيما سبق أنَّ هذا فيه
تفصيل، فذكر أنَّ المواضع والمواطن التي قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة
فيها، فالصلاة فيها من بعده سنة اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، وأما المواطن التي
صلّى بها اتفاقًا، ولم يقصد الصلاة فيها بذاتها، وإنما صلى فيها؛ لأنه أدركته
الصلاة في هذه الأماكن، فصلّى فيها من غير قصد لها، فهذه لا تتخذ مساجد من بعده،
ولا يصلّى فيها عند الجمهور، وهو الثابت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مخالفة للأمم السابقة التي هلكت بتتبع آثار أنبيائها.
لأنَّ النبي صلى
الله عليه وسلم لم يقصد الصلاة فيها، وإنما صلّى فيها اتفاقًا، وذلك أنه أدركته
الصلاة فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا
وَطَهُورًا، أَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ» ([2]).
ومن العلماء من فصّل في هذا النوع؛ حيث ميَّز بين القصد القليل والقصد الكثير، كما يروى عن الإمام أحمد فيما سبق: أن الذي لا يكثر القدوم عليها ولا يتخذها عيدًا وإنما يصلي فيها قليلاً ولا يتردد عليها، فهذا لا بأس به، استدلالاً بفعل ابن عمر رضي الله عنهما، وأما الذي يقصدها ويتردد عليها ويتخذها عيدًا فهذا لا يجوز بالإجماع، وهو داخلٌ فيما رويَ عن عمر رضي الله عنه أنه رأى الناس يتبادرون إلى مكان بين مكة
([1]) أخرجه: البخاري رقم (438)، ومسلم رقم (521).