ولهذا تجد ما أُحدِث من الشِّرك والبدع يفترق أهله،
فكان لكل قوم من مشركي العرب طاغوت يتخذونه ندًّا من دون الله، فيقرِّبون له
ويستعينون به ويشركون به، وهؤلاء ينفرون عن طاغوت هؤلاء، وهؤلاء ينفرون عن طاغوت
هؤلاء، بل قد يكون لأهل هذا الطاغوت شريعة ليست للآخرين، كما كان أهل المدينة
يُهلُّون لمناة الثالثة الأخرى، ويتحرجون من الطواف بين الصفا والمروة، حتى أنزل
الله تعالى: الآية ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ﴾[البقرة:
158].
وهكذا تجد من يتخذ شيئًا من نحو هذا الشرك، كالذين
يتخذون القبور وآثار الأنبياء والصَّالحين مساجد، تجد كل قوم يقصدون بالدعاء
والاستغاثة والتوجه عند مَن لا تعظمه الطائفة الأخرى.
*****
هذا شأن المُشركين، أنهم لا يتَّفِقُون؛ لأنَّ
كل فرقة أو كل شخص منهم له هواية، وله اتجاه غير اتجاه الآخر، ويُكذِّب بعضهم
بعضًا، وربما يتقاتلون فيما بينهم؛ لأنهم لا تجمعهم عقيدة ولا تربطهم رابطة، كما
كان الحال في الجاهلية، إلى أن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فجمع الله به المسلمين،
قال الله تعالى ممتنًّا عليهم: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ
تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فََٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ
وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]
وقال: ﴿وَٱذۡكُرُواْ
نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ [آل عمران: 103]. فلا يجمع الناس إلاّ دِين التوحيد،
والعقيدة الصحيحة، واتباع محمـد صلى الله عليه وسلم، ولا يفرِّق الناس إلاّ اتباع
الآراء والأهواء، وكل ناعقٍ.