ومن أحكم الأصلين المتقدمين في الصفات والخلق والأمر،
فيميز بين المأمور المحبوب المرضي لله، وبين غيره، مع شمول القدَر لهما، وأثبت
للخالق - سبحانه - الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات، وأنه ليس في مخلوقاته شيء
من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، أثبت التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل
به كتبه، كما نبّه على ذلك في سورتي الإخلاص والكافرون:﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] و ﴿قُلۡ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾[الكافرون: 1].
فإنَّ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ تعدل
ثلث القرآن؛ إذ كان القرآن باعتبار معانيه ثلاثة أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث
أمر ونهي؛ لأنَّ القرآن كلام الله، والكلام: إما إنشاء وإما إخبار، والإخبار: إما
عن الخالق، وإما عن المخلوق، والإنشاء: أمر ونهي وإباحة، فـ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ فيها ثلث
التوحيد الذي هو خبر عن الخالق. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ
الْقُرْآنِ» ([1]).
*****
الله سبحانه وتعالى قدّر كل شيء، قدّر الخير وقدّر الشّر، ولكن ليس في هذا حجة للعبد أن يقول: ما دام أنَّ الله قدّر الشر فلا يُلام الكافر والعاصي؛ فالله أعطـى المخلـوق قدرة ومشيئة واختيارًا، يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء باختياره وقدرته، ولذلك الصبي وغير المكلّف والمجنون لا يؤاخذ؛ لأنه ليس عنده تفريقٌ بين الأشياء، أما العاقل فإنه يفرِّق بين فعله وبين القضاء والقدر، فالقضاء والقدر من شأن الله سبحانه وتعالى وأما فعله
([1]) أخرجه: مسلم رقم (811).