حِينَمَا يَحْضُرُ إِلَى مَجْلِسِ العِلْمِ
يَنْبغِي لَهُ أَنْ يَتجمَّلَ، وأَنْ يَأْتِيَ بِصُوَرةٍ نَظِيفَةٍ جمِيلةٍ؛
لأَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ مُعَلِّمًا وَمُتَعَلِّمًا، ومنْ ذَلِكَ أَنَّهُ
عَلَّمهُمْ كَيفَ يأَتُونَ إِلَى مَجْلسِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّ
مَجْلِسَ العِلْمِ مَجْلِسُ وقَارٍ، واللِّقَاءُ بِالرَّسولِ صلى الله عليه وسلم
واللِّقَاءُ بِالعُلَمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِعْدَادٌ، وإجلال
العلماء مطلوبٌ؛ لَأَنَّكَ إِذَا لَمْ تُجِلِّ العَالِمَ وَتُكْرِمْهُ لَمْ
تَسْتَفِدُ مِنْ عِلْمِه، فَقَوْلُهُ: «فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم » فِيه آدَابٌ لِطَالِبِ العِلْمِ مِنْهَا:
أَوْلاً: أنه يَتَجَمَّلُ
فِي هَيْئَتِه وصُورَتِهِ.
ثَانِيًا: أَنَّهُ يَجْلِسُ
أَمامَ المعَلِّمِ مُقْبِلاً عَلَيْهِ لِيَتَلَقَّى مِنْهُ العِلْمَ، وَلاَ
يُعْرِضُ عَنْهُ، أَوْ يَلْتَفِتُ، أَو يَمْزَحُ، أَو يَنْشغلُ، بَل يَكونُ
مُقْبِلاً عَلى المعَلِّمِ بِجِسْمِه وَبِفِكْرِهِ؛ لئَلاَّ تَفُوتَه فُرْصَةُ
التَّعَلُّم.
قَوْلُه:
«فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ» أَيْ: أَسْنَدَ جِبْرِيلُ
رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبَتَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقَابِلاً لَهُ
وَقَرِيِبًا مِنْه، وَفِي هَذَا أَنَّ طَالِبَ العِلْمِ يَقْرُبُ مِنْ المُعَلِّمِ
لِتَكُونَ الفَائِدَةُ مُتَّصِلَةً، أَمَّا البَعِيدُ فَإِنَّهُ قَدْ لاَ يَسْمَعُ،
وَإِذَا سَمِعَ قَدْ لاَ يَسْتَوْضِحُ الصَّوْتَ، فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا
فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَيَسْتَوضِحُ الصَّوْتَ تَمامًا، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ
رضي الله عنهم يُحدِقُونَ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وَيَقْرَبُونَ مِنْهُ وَقْتَ
تَلَقِّيهِمُ العِلْمَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم([1]).
قَوْلُه: «وَوَضَعَ كَفَّيْهِ» أَيْ: وَضَعَ جِبْرِيلُ كَفَّيْهِ «عَلَى فَخِذَيْهِ» أَيْ: عَلَى فَخِذَيْ جِبْرِيلَ، وَهَذَا فِيهِ أَنَّ المَتَعلِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْونَ بِصُورَةٍ هَادِئَةٍ مُؤَدَّبَةٍ، وَلاَ يُكْثِرَ مِنَ الحَرَكَاتِ أَوْ مِنَ الالْتِفَاتِ أَوْ مِنَ الشَّوَاغِلِ التِي
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (509).