×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

هذا قلمُ القضاءِ والقَدَر، يجرِي على العباد، واللهُ جل وعلا قدَّر لكُلِّ أحدٍ من الشَّقَاوة والسَّعادة ما يكونُ العبدُ سببًا فيه، فإنْ فعَل الخيرَ يسَّرَه اللهُ للخير، وإنْ فعَل الشَّرَّ يسَّرَه اللهُ للشَّرِّ، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5- 7]، فالقَدَر من عندِ الله، والسَّببُ من عندِ العبد، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 8- 10]، فيكونُ العبدُ سببًا في شقائِه أو سعادتِه بحَسَبِ أعمالِه ومقاصدِه، واللهُ تعالى يُقدِّر على العبدِ بحسَبِ ما يفعلُه العبدُ وما يقصِدُه. وهذا هو الجَمعَ بينَ الأمرين: أنَّ الأعمالَ بقدَرِ اللهِ وأنَّها بفِعْلِ العبد، فالعبدُ سبب، وذلك لأنَّ المجنونَ وغيرَ العاقِلِ والمُكرَه والنَّاسي لا يُؤاخَذ؛ لأنَّه عن غيرِ قَصْد، وليسَ هذا من كَسْبِه ولا من عملِه، إنَّما يُؤاخَذ البالغُ العاقِلُ المُدرِك؛ لأنَّه هو الذي يَجني على نفسِه أو يَجني لها، فإمَّا أنْ يجنيَ لها خيرًا، وإمَّا أن يجنيَ عليها شرًّا.

ثمّ قال: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» هذا قَسَم، ولكن مَن هو المُقسِم؟ الظَّاهر أنَّه الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم فيكونُ هذا من أصلِ الحديث، وقيل: إنَّ المُقسِمَ هو الرَّاوي ابنُ مسعود رضي الله عنه فيكونُ هذا من المُدرج في الحديث، ولكنَّ الظَّاهر أنَّه من كلامِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» أقْسَم صلى الله عليه وسلم - وهو الصَّادق والمَصْدُوق - من بابِ التَّأكيد، ولأهميَّةِ هذا الأمر.

قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ» يعني الذي قدَّر له، أي: كُتب عليه


الشرح