قولُه تعالى: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ﴾ وفي هذا تحذيرٌ للإنسانِ أنْ يُخِلَّ بعَملِه، أو
يتَظَاهرَ بالعَملِ والإخلاصِ وباطنُه بخِلافِ ذلك؛ فإنَّ اللهَ تعالى عَلِيم، بما
هو عليه، لا يُروَّجُ عليه البَهْرجُ والكَذِب، ولا يَنطَلِي عليه الظَّاهرُ مع
خُبثِ البَاطِن، إنَّما هذا في حقِّ النَّاسِ الَّذين لا يعلمُون إلاَّ الظَّاهر،
أمَّا البَاطنُ فلا يعلَمُه إلاَّ الله سبحانه وتعالى.
وقولُه: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ﴾ يَتَضمَّنُ شَيْئين:
الأوّل: أنَّ
الإنسانَ لا يخْشَى أنْ يَضيعُ له شيءٌ من العَمَل، ولا أنَّ اللهَ يَنسَاه أو
يَتركُه، فجَميعُ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ يَعلمها الله تعالى ويحصيها ويكتبها
لصاحبها، سواءً كانت حسنةً أو سيّئةً.
الثّاني: أنَّ اللهَ جل
وعلا لا يَنخَدِعُ بالظَّواهرِ البَاطلةِ والزُّخرفِ والتَّزْوير، وإنَّما يَعلمُ
الحقائقَ سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: في حقِّ
المؤمنين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ هذا أَمرٌ من اللهِ
جل وعلا بالأكْلِ من الطَّيِّبات، وهي المُباحات: الطَّيِّبُ في ذاتِه والطَّيِّبُ
في مَكسَبِه والحُصُول عليه، فقوله: ﴿كُلُوا﴾ هذا أمرٌ من اللهِ تَعَالى بإباحةِ الطَّيِّباتِ لنا،
قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: 157]، فقوله: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ﴾ يتَضمَّنُ النَّهيَ عن أكْلِ الخَبائث.
فهذا فيه الرَّدُّ على الَّذين يُحرِّمون الطَّيِّباتِ بزَعْمِهم أنَّ هذا من العِبادةِ ويَظنُّون أنَّ في تَرْكِها أجرًا؛ كالصُّوفيَّةِ والمُتزَهِّدة، وهذا من التَّكلُّف؛ لأنَّ اللهَ أمَرَ بالأكْلِ من الطَّيِّباتِ والمُستلذَّات، والطَّيِّب يَشمَلُ الطَّيِّبَ