ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ
السُّؤَالِ»([1])، فإنَّ اللهَ كرِه
للمُسلِم أنْ يَشتَغِلَ بـ قِيل كذا، وقال فُلانٌ كَذا، فيُحصِي أقوالَ النَّاسِ
ويَنشَغِلُ بها، والكلامُ الشَّرُّ مثلُ: الغَيبةُ، والنَّمِيمةُ، والشَّتمُ،
وقَوْلُ الزُّور، وشهادةُ الزُّور، وأعظمُ ذلك الشِّركُ بالله عز وجل؛ كأنْ يدعُو
غيرَ الله، أو يَستَغيثُ بغيرِ الله، أو غيرَ ذلِكَ من الكلامِ المُحرَّم. كلُّ
ذلِك يُحصِيه اللهُ تعَالى على العَبْد، ويُكتَبُ في دِيوانِه، ويُحاسَبُ عنه يومَ
القِيامة، فعلَى المُسلمِ أنْ يكُفَّ لِسانَه عمَّا لا فائدةَ فيه ولا حاجةَ إليه؛
ليَستريحَ ويُريح.
قوله: «أَوْ
لِيَصْمُتْ»؛ لأنَّ في الصَّمتِ راحةً ونجاةً، فإذا تكلَّمْت بالكلامِ
السَّيِّئِ لم تتمكَّنْ من تَدَارُكِه ورَدِّه، ولكنْ قبلَ أن تتكلَّمَ فأنتَ
مُسيطِرٌ على لسانِك، فيكون السُّكوتُ أفضلَ من الكلامِ غير المحمود، وهذه قاعدةٌ
اجْعلْها معَك دائمًا، إذا أردتَ أن تتكلَّم انظُرْ في الكَلام، فإن كانَ فيه
خَيْر، تتكلَّم به، وإن كان فيه شرٌّ أمسِكْ لسانَك عنه لتَسْلَم.
ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ» والجَار: هو من يُجاوِرُك في المَسْكنِ والمَزرعةِ والمَصنعِ والمَتجَر، وله حقٌّ في الكتابِ والسُّنَّة والإجْماع، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ [النساء: 36]، فالجارُ له حقٌّ من الحقوقِ العَشَرةِ المذكورةِ في هذه الآية.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1477)، ومسلم رقم (593).