ولا تَكفي التَّوبةُ باللِّسانِ، بل أَتْبِعْ
تَوبَتَك بعَملِ الصَّالحاتِ، قال تعالى: ﴿إِلاَّ
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، فتَعاملْ مع
نَفْسِك بهذا المِقياسِ، وأكثِرْ من الحَسناتِ وتُبْ عنِ السَّيِّئاتِ، واللهُ جل
وعلا يَعْفو ويَغْفرُ إذا فَعلْتَ أسبابَ المغفرةِ.
ثالثًا: بينَك وبينَ النَّاسِ: قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» أي: تَعامَلْ معَهم بالمُعامَلَةِ الطَّيِّبةِ، وبالْخُلُقِ الحسنِ، وبالكَلامِ الطَّيِّبِ، وبالبَشاشةِ، فإنَّ ذلكَ ممَّا يَزرَعُ المَودَّةَ في القُلوبِ، ويُؤلِّفُ بينَ النَّاسِ. والخُلقُ الحَسنُ: صِفةٌ حَميدةٌ تكونُ في الإنسانِ، يَمنَحُها اللهُ لمَن يشَاءُ من عِبادِه، والإنسانُ يَتخلَّقُ بالأخلاقِ الحَسنةِ، واللهُ جل وعلا قالَ في نَبيِّه محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، شهِدَ اللهُ له بالخُلقِ العظيمِ؛ ولهذا تحوَّلَ أعداؤُه إلى أصدقاءَ، وصاروا من خواصِّ أصحابِه بسَببِ خُلُقِه صلى الله عليه وسلم، وصاروا يُدافِعُون ويُنافِحُون ويُجاهِدُون معَه صلى الله عليه وسلم، وهُم بالأمسِ كانوا مِن ألدِّ الأعداءِ، لكن بِتَعامُلِه وخُلُقِه صلى الله عليه وسلم مع النَّاسِ استَجْلَبَهم إلى الإسلامِ، وهكذا يكونُ الَّذي يَدعو إلى اللهِ بالخُصوصِ، يكون ذا خُلقٍ حسنٍ، فيتَعامَلُ مع النَّاسِ بالحُسْنى واللَّطافَةِ واللِّينِ، حتَّى يَستَجْلِبَهم إلى فِعْلِ الخَيرِ، وإلى التَّوبةِ إلى اللهِ، وإلى قَبولِ الدَّعوةِ، فهذه الكلماتُ العظيمةُ منهَجٌ يسيرُ عليه المسلمُ، وهوَ مِن جوامِعِ الكَلِمِ الَّتي أُوتِيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، يَجمَعُ فيها بينَ خَيرَي الدُّنيا والآخِرَةِ.
الصفحة 4 / 276