فالأمْرُ بالمَعروفِ
والنَّهيُ عنِ المُنكرِ فَضلُه عظيمٌ ونَفعهُ كبيرٌ، وهو على حَسَبِ ما يَستطيعُ
الإنسانُ، فلا يقولُ أحدٌ: أنا لا أستطيعُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأَنهَى عنِ
المُنكَرِ، النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ»([1])، فدلَّ على أنَّه
لا يُعذَرُ أحَدٌ في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ، لكنْ كلٌّ بحَسبِ ما
يستطيعُ، فالَّذي لهُ سُلطةٌ يُنكِرُ بيَدِه ويُغيِّرُ المُنكرَ ويُزيلُه بيَدِه،
والَّذي ليسَ له سُلطَةٌ يُنكِرُ بلِسانِه يُبيِّنُ وينصَحُ ويَعظُ ويُذكِّرُ
ويَدلُّ على الخَيرِ بلِسانِه، وهذا لا يُكلِّفُه شَيئًا، والَّذي لا يستطيعُ بلِسانِه
يُنكِرُ بقَلِبِه، فلا أحَدَ يَعجِزُ عن إنكارِ المُنكرِ بالقَلبِ أبدًا، قد
يَعجِزُ عنِ اللِّسانِ، ويَعجِزُ عنِ اليدِ، لكنْ لا أحدَ يَعجِزُ عن الإنكارِ
بالقَلبِ، وإذا أنكَرْتَ المُنكرَ بقَلبِك فإنَّك تَعتزِلُ أهلَ المُنكرِ ومَواطنَ
المُنكرِ وتَبتَعِدُ عنها، فلا تَجلسُ فيها وتُشارِكُهم في مُنكرِهم، وتقولُ: أنا
مُنكِرٌ بقَلبي. هذا لا يَكفي، بل لابدَّ أن تَبتعِدَ عنِ المُنكرِ وأهْلِه ولا
تُخالِطُ أهلَ المُنكرِ إلاَّ إذا كنتَ تَستطيعُ الإصْلاحَ، فإذا كنتَ لا تستطيعُ
الإصلاحَ ابتعدْ، وانجُ بنَفِسك.
ثمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» البُضْعُ معناهُ الفَرجُ، والمُرادُ هنا قَضاءُ الشَّهوةِ، فالإنسانُ فيه غَريزةُ الشَّهوةِ، جَعَلَها اللهُ في الذُّكورِ والإِناثِ، مِن بَني آدَمَ وغَيرِهم؛ امتِحانًا لبَني آدَمَ، وأيضًا لمَصلحةٍ، وهيَ بَقاءُ النَّسلِ والنَّوعِ الإنسَانيِّ، وهذهِ الشَّهوةُ خطيرةٌ على الإنسانِ،
([1]) سبق تخريجه.