ثمَّ قال صلى الله
عليه وسلم: «وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ»، «أَفْتَاكَ»
أو «أَفْتَوْكَ» المَعنى واحِدٌ، لكنَّ هذا مِن بابِ التَّأكيدِ؛ لأنَّ
العِبرةَ ليسَتْ بِمُجرَّدِ الفَتوَى مِن العالمِ، وإنَّما العبرةُ مع ذلكَ
بنَفْسِك، فإذا وَجدْتَ نَفْسَك تَطمَئِنُّ إلى هذهِ الفَتْوى فهذا بِرٌّ، وإذا
وجدْتَ نَفْسَك تَكْرَه هذا الشَّيءَ فهذا إِثْمٌ، والعالِمُ ليسَ مَعصُومًا، فقد
يُخطِئُ، أو يُجيبُ على الظَّاهرِ ولا يَدري عنِ الباطِنِ، وقد يكونُ العالِمُ
عالِمَ ضَلالٍ، والعُلماءُ ليسوا سواءً، فالمُهمُّ أنَّك لا تعتَمدُ على الفَتْوى
حتَّى تَطمَئِنَّ نَفْسُك إليها، فإذا اطْمأَنَّتْ نَفْسُك إلى هذهِ الفَتْوى،
فهذا دليلٌ على أنَّها صِدْقٌ وبِرٌّ، أمَّا إذا نَفرَتْ نَفْسُك من هذه الفَتْوى
ولم تَطمَئِنْ إليها فاتْرُكْها؛ لأنَّ بَعضَ النَّاسِ الَّذي له هُوَىً ورَغْبَةً
في الشَّيءِ يقولُ: ما دامَ أَفْتَى فُلانٌ بهذا فليسَ عليَّ شَيءٌ، وهذا في
ذِمَّتِه.
فنقولُ له: فُلانٌ
لا يُغْني عنكَ منَ اللهِ شيئًا، ولا يَعلمُ الغَيبَ، وليسَ مَعصومًا، ولا تَدري
عَن مَدَى صلاحِه ودِينِه، فلا تَعتَمدْ على مُجرَّدِ الفَتْوَى حتَّى تُعرِضَها
على نَفْسِك، فإذا وجدتَّ نفْسَك مُطمئِنَّةً إليها وليسَ عندَك تَردُّدٌ فيها ولا
كراهيَةٌ فخُذْ بها، وإذا وجدتَّ العَكْسَ فاتْرُكْها، هذا مِيزانٌ عظيمٌ يسيرُ
عليه المُؤمنُ في الفَتْوى.
والآنَ كَثُرتْ شكاياتُ النَّاسِ مِن كَثرَةِ الفَتاوَى وكَثرَةِ من يُفْتون، فهذه علامةٌ تُميِّزُ لك هذه الفَتاوَى، فما اطْمأنَّتْ إليها نَفْسُك منها فهذهِ حقٌّ، وما نَفرَتْ نَفْسُك منه فهذا دليلٌ على أنَّه خطأٌ، فعَلَيْك أنْ تَتجَنَّبَه، ولا تقُلْ: أفْتَى فلانٌ وقال فلانٌ، وهذا شيءٌ في ذِمَّتِه. هو عليه ما