فهذا مَثَلٌ
للعُصاةِ الَّذين يُريدونَ أنْ يَخْرِقُوا سَفينَةَ الإسْلامِ؛ لأنَّ الإسلامَ هو
السَّفينةُ الَّتي تُنقِذُ مِنَ الهَلاكِ والغَرقِ، فلو تَركَ الأَعْلُون الأسْفَلين
وما أَرادوا هَلَكُوا جميعًا، وإنْ أَخَذُوا على أَيديهم نَجَوْا ونَجَوْا
جَميعًا، هذا مِثالٌ واضِحٌ في الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكرِ، وأنَّه
أمانٌ من الهلاكِ؛ ولهذا لمَّا نزلَ العَذابُ على بَني إسرائيلَ لم يَنجُ إلاَّ
الَّذينَ يَأمُرون بالمَعروفِ ويَنهَوْن عنِ المُنكرِ، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا
ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا
الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165]، فعندَ نُزولِ العَذابِ
يَنجُو أهلَ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ، ويَهلِكُ الَّذين لا
يأمُرون بالمعرُوفِ ولا يَنهَوْن عن المنكرِ مع الهالكين منَ العُصاةِ.
وفي هذا الحديثِ
يُبيِّنُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَيفيَّةَ الأمْرِ بالمَعروفِ والنَّهي عنِ
المنكرِ، وأنَّه لا يُترَكُ أبدًا ولكنَّه بحَسَبِ الاستِطاعَةِ، فقالَ: «مَنْ
رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا» أمَّا الَّذي لا يَرَى أو يَخْتَفي فهذا عُهْدَتُه
على صاحبِه، لكنَّ الإنكارَ يكونُ في الشَّيءِ الظَّاهرِ الَّذي يُرَى.
ثمَّ قالَ: «فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» يعني: يُزيلُه بيَدِه، بسُلْطَتِه، وهذا يَنطَبقُ على أصحابِ السُّلطَةِ مِن وُلاةِ الأمورِ ورِجالِ الحِسْبةِ الَّذين لهم سُلطَةٌ يُغيِّرُون المُنكرَ بأَيديهِم؛ كذلكَ صاحِبُ البَيتِ له سُلطَةٌ على بَيتِه، وهوَ راعٍ ومَسؤُولٌ عن رَعيَّتِه، فلهُ سلطَةٌ على بَيتِه، فيُزيلُ المُنكرَ بيَدِه ومِن بَيتِه ولا يُقرِّهُ، ولا أحَدَ يَعتَرِضُ عليه، حتَّى وليّ الأمرِ لا يَعترِضُ عليه في بَيتِه.