ثمَّ قالَ صلى الله
عليه وسلم: «وَلاَ تَدَابَرُوا» المُدابرةُ هي الإعراضُ، إعراضُ البَعضِ عنِ
البَعضِ الآخرِ، والذي يَنبَغي لك أنْ تَستَقبِلَ أخاك بالبِشْرِ وبالسُّرورِ،
أمَّا أنْ تُعرِضَ عنه وتُدْبرَ عنه وتُولِّيه ظَهرَك، فهذا يدُلُّ على شَرٍّ،
إلاَّ إذا لم يكْن فيه إلاَّ الخيرُ فلا تُدبِرْ عنهُ، بل أقْبلْ عليه وبِشَّ له.
قولُه صلى الله عليه
وسلم: «وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» هذا مِثْلُ ما مرَّ
في النَّجْشِ أنَّه إساءةٌ في المُعاملَةِ، فإذا باعَ أخوك سِلعةً فلا تَذهبْ إلى
المُشتَري وتَقُلْ: أنتَ مَغبونٌ، أنا عِندي لك أرْخصُ منها أو أحسَنُ منها.
فتُدخِلُ عليه الحُزنَ، وربَّما تُفْسِدُ المُعاملةَ بَينَهما، وتُوقِعُ بينهما
النِّزاعَ، فيَطلُبُ الإقالَةَ، خُصوصًا إذا كان بَيْعًا فيه خِيارٌ، وقد جاءَ في
الحديثِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ
اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ»([1])
وكذلك الشِّراءُ على الشِّراءِ، بأنْ يَشتريَ سِلعةً، وتَرى أنَّها طَيِّبةٌ ورَخيصةٌ، فتَذهبُ إلى البائِعِ وتقولُ له: أنتَ مَغبونٌ في بَيعِكَ - وكانَ بَيعًا فيه خيارٌ - أنا أشتَريها مِنك بأكْثرِ ممَّا اشتَراها مِنكَ فلانٌ، افسَخِ البَيعَ. هذا أمْرٌ لا يجوزُ؛ لأنَّ هذا اعتداءٌ على حقِّ المسلمِ، إلاَّ إذا استَشارَك فأبْدِ له النَّصيحةَ الَّتي تراها، أمَّا ما دامَ لم يَطلُبْ مَشورَتَك فلا تَتدخَّلْ؛ لأنَّ هذا يُحدِثُ ضَررًا على أخيك المُسلمِ البائعِ أو المُشتري.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (1522).