وقيلَ: إنَّ بينَ الضَّررِ والضِّرارِ فَرْقًا،
فالضَّررُ: من جانبٍ واحدٍ، «لاَ ضَرَرَ» أي: لا يكونُ منكَ ضَررٌ على النَّاسِ،
وأمَّا الضِّرارُ فهو يَدلُّ على المُشاركَةِ من جانبَيْنِ، فأنتَ لا تَضرُّ مَن
ضَرَّكَ، بل قابَلَه بالإحسانِ والعَفوِ والصَّفحِ، وهذا مِن أخلاقِ المُؤمنينَ.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، فيكونُ مِثْلَ
قولِه صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» والقاعدةُ: أنَّ
القِصاصَ جائزٌ وهو عَدْلٌ، ولكنَّ العَفوَ أحْسَنُ؛ لأنَّه فَضْلٌ، قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: 40] هذا قِصاصٌ، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، فالقصاصُ جائزٌ
والعَفوُ أحسَنُ، فإذا حصَلَ من أحَدِ ضرَرٍ عليك فلا تُقابِلُه بمِثْلِه، هذا
أحسَنُ وأجلَبُ للوُدِّ، فإنَّ هذا الَّذي عَفوْتَ عنه يُصبِحُ صديقًا، قال تعالى:
﴿وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34- 35].
هذه خَصلةٌ لا تَحصُلُ لكلِّ أحدٍ، وإنَّما تَحصُلُ للصَّابرينَ، فالَّذي لا يَصبِرُ لا يَعفو، أمَّا الَّذي يَصبِرُ فهو يَعفُو؛ لأنَّ العَفوَ عنِ المُسيءِ شاقٌّ على النُّفوسِ يَحتاجُ إلى صَبرٍ، والإنسانُ يَتطلَّبُ في طَبْعِه الانتقامَ، وتَركُ الانتِقامِ يَحتاجُ إلى صَبرٍ، قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35] فإذا أردتَّ فَضْلَ العَفوِ فاصْبرْ عليه، ولا تُطِعْ نفْسَك الَّتي تَطلُبُ منك الانتِقامَ ممَّن ضرَّكَ، فيكونُ هذا - واللهُ أعلَمُ - مَعْنى قَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ» من طرفٍ واحِدٍ، فلا تَضرُّ