×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وقوله: «لَذَّاتُ الدُّنْيَا مُتَيَقَّنَةٌ، وَلَذَّاتُ الآْخِرَةِ مَشْكُوكٌ فِيهَا»، بل بالعَكس، فإن لذَّات الآخرةِ هي المُتيقَّنة؛ لأن اللهَ وعدَ بها، ووعدُ اللهِ حقٌّ، وأما لذاتُ الدنيَا فهي مَتاعٌ: { وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} [الرعد: 26] ، لكن المُؤمِن يَعتبر لذاتِ الدنيَا دليلاً على الآخرةِ، فالذِي أعطَى هذا الخيرَ في الدنيَا، وعجَّل هذه الأشياءَ في الدنيَا - قادرٌ على أن يَجعل أكثرَ منها وأعظمَ منها في الآخرةِ، فيستدلُّ بها لا أن يَأخُذها بدلاً عن الآخرةِ.

وقوله: «فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ إِذَا خَافَتْ مَضَرَّةَ شَيْءٍ لَمْ تُقْدِمْ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَتْ»، البهائمُ تتجنَّب الخطرَ فلا تُقدِم عليه، وهي بَهائم لا عقلَ لها، بينما كَثير من بَنِي آدمَ يُقدِمُون على الخَطَر والضَّرَر، ويَنظُرون إلى الدنيَا بلَذَّةٍ عاجلةٍ، ولا يُفكِّرون في العُقوبةِ الآجلةِ.

وقولهم: «النَّقْدُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ» يعني: من المُؤجَّل، وهذا ليسَ على إطلاقِه، إذا تَساوى النقدُ والمُؤجَّل فلا شكَّ أن النقدَ أحسنُ، وأما إذا كان المُؤجَّل خيرٌ من العاجلِ فلا شكَّ أن العُقلاء يَطلبون الخيرَ، فلا يَأخذون شيئاً عاجلاً قليلاً ويَتركون آجلاً أكثرَ وأحسنَ وأَبقى، كما أن الناسَ الآنَ يُؤثِرون بيعَ المُؤجَّل على بَيع النقدِ إذا كانَ المُؤجَّل فيه زِيادة، مِمَّا يَدُلّ على أن المُؤجَّل إذا كانَ أحسنَ وأكثرَ فهو أَوْلَى عِندهم.

وقوله: «وَالدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا كَنَفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْفَاسِ الآْخِرَةِ»، الدنيَا بالنسبةِ للآخرةِ لا شيءَ، قالَ جل وعلا : { وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} [الرعد: 26] ، متاعٌ قليلٌ، وضربَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلاً كالذِي يُدخِل إصبعَه في البَحر، هل يُنقِص البحرَ مِن شيءٍ؟! لا يُنقِص البحرَ ولا يَخرُج بشيءٍ من البَحر إلا بَلَل يَسير. 


الشرح