فَصْلٌ
وَأَمَّا اللَّفَظَاتُ:
فَحِفْظُهَا بِأَنْ لاَ يُخْرِجَ لَفْظَةً ضَائِعَةً، بَلْ لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ
فِيمَا يَرْجُو فِيهِ الرِّبْحَ وَالزِّيَادَةَ فِي دِينِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ نَظَرَ: هَلْ فِيهَا رِبْحٌ وَفَائِدَةٌ أَمْ لاَ؟
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ،
نَظَرَ: هَلْ تَفُوتُهُ بِهَا كَلِمَةٌ أَرْبَحُ مِنْهَا، فَلاَ يُضَيِّعُهَا
بِهَذِهِ.
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَسْتَدِلَّ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ، فَاسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِحَرَكَةِ
اللِّسَانِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُكَ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ، شَاءَ صَاحِبُهُ أَمْ
أَبَى.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ:
الْقُلُوبُ كَالْقُدُورِ تَغْلِي بِمَا فِيهَا، وَأَلْسِنَتُهَا مَغَارِفُهَا،
فَانْظُرْ إِلَى الرَّجُلِ حِينَ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّ لِسَانَهُ يَغْتَرِفُ لَكَ
بِمَا فِي قَلْبِهِ، حُلْوٌ وَحَامِضٌ، وَعَذْبٌ وَأُجَاجٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ،
وَيُبَيِّنُ لَكَ طَعْمَ قَلْبِهِ اغْتِرَافُ لِسَانِهِ ([1]).
أَيْ كَمَا تَطْعَمُ
بِلِسَانِكَ طَعْمَ مَا فِي الْقُدُورِ مِنَ الطَّعَامِ فَتُدْرِكُ الْعِلْمَ
بِحَقِيقَتِهِ، كَذَلِكَ تَطْعَمُ مَا فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِنْ لِسَانِهِ،
فَتَذُوقُ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ لِسَانِهِ، كَمَا تَذُوقُ مَا فِي الْقِدْرِ
بِلِسَانِكَ.
****
الشرح
ما يَلفظه الإنسانُ بلِسانه خطيرٌ جدًّا، فعَليه أن يحفظَ لِسانه إلا فِيما يَنفعه في دِينه ودُنياه، أما ما عدَا ذلكَ فإنه عَليه وليسَ له، فهو مَحصِيٌّ عَليه: { مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} [ق: 18] ، يكتبونَ ما تكلَّم به،
الصفحة 1 / 375