وكذلكَ النبيُّ صلى الله
عليه وسلم يُحِب أصحابَه، وأحبُّهم إليه أبو بكرٍ رضي الله عنه ، لكنه لم
يَتَّخِذه خليلاً؛ لئلاَّ يكُون شريكًا للهِ في الخُلَّة، فهو يُحِبه لكن لم
تَبلُغ مَحبته إلى دَرجةِ الخُلَّة؛ لأن الخُلَّة خاصةٌ باللهِ عز وجل ، فلا يُحِب
فيها معَ اللهِ أحدًا، كما أن إبراهيمَ عليه السلام لم يُحِب فيها معَ اللهِ
أحدًا، حتى ابنه الذِي رُزِق إيَّاه على كِبَرٍ، وبادرَ بذبحِه امتثالاً لأمرِ
اللهِ وطاعةً له سبحانه وتعالى .
وقوله: «وَكَانَ الأَْمْرُ فِي الْمَنَامِ
لِيَكُونَتَنْفِيذُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمَ ابْتِلاَءً وَامْتِحَانًا»؛
لأن رُؤيَا الأنبياءِ حقٌّ، وهي وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل ، ولذلك اعتبرَها أمرًا
من اللهِ سبحانه وتعالى . ولم يكُن المَقصود ذبحَ الوَلدِ، ولكن اللهَ أمرَه به
ليَبْتَلِيه ويَختبره: هل يُقدِّم مَحبة اللهِ على مَحبة الوَلد؟ أو يُقدِّم مَحبة
الوَلد على مَحبة اللهِ؟
فلما امتثلَ لأمرِ اللهِ
وبادرَ بذبحِ ابنِه، ورفعَ اللهُ جل وعلا الأمرَ بالذبحِ، يَعني: نُسِخَ الأمرُ بعدما
ظهرَ المقصودُ ونجحَ في الامتحانِ، فنَهاه عن ذَبْحِ ابنِه، ونُسِخ الأمرُ بذبحِ
الولدِ إلى ذَبحِ القُرْبَان، وهذا النَّسْخُ يُسمَّى: النَّسْخ إلى أَخَفّ.
***
الصفحة 3 / 375