وَلْيَعْلَمِ الْعَاقِلُ أَنَّ الْعَقْلَ
وَالشَّرْعَ يُوجِبَانِ تَحْصِيلَ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلَهَا، وَإِعْدَامَ
الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلَهَا، فَإِذَا عَرَضَ لِلْعَاقِلِ أَمْرٌ يَرَى فِيهِ
مَصْلَحَةً وَمَفْسَدَةً، وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: أَمْرٌ عِلْمِيٌّ، وَأَمْرٌ
عَمَلِيٌّ، فَالْعِلْمِيُّ: مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مِنْ طَرَفَيِ الْمَصْلَحَةِ
وَالْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الرُّجْحَانُ وَجَبَ عَلَيْهِ إِيثَارُ
الأَْصْلَحِ لَهُ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ
لَيْسَ فِي عِشْقِ الصُّوَرِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَلاَ دُنْيَوِيَّةٌ، بَلْ
مَفْسَدَتُهُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا يُقَدَّرُ
فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: الاِشْتِغَالُ
بِحُبِّ الْمَخْلُوقِ وَذِكْرِهِ عَنْ حُبِّ الرَّبِّ تَعَالَى وَذِكْرِهِ، فَلاَ
يَجْتَمِعُ فِي الْقَلْبِ هَذَا وَهَذَا إِلاَّ وَيَقْهَرُ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ،
وَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَالْغَلَبَةُ لَهُ.
الثَّانِي: عَذَابُ قَلْبِهِ
بِهِ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ وَلاَ بُدَّ،
كَمَا قِيلَ ([1]) :
فَمَا فِي الأَْرْضِ أَشْقَى مِنْ
مُحِبٍّ |
|
وَإِنْ وَجَدَ الْهَوَى حُلْوَ
الْمَذَاقِ |
تَرَاهُ بَاكِيًا فِي كُلٍّ حِينٍ |
|
مَخَافَةَ فُرْقَةٍ أَوْ
لاِشْتِيَاقِ |
فَيَبْكِي إِنْ نَأَوْا شَوْقًا
إِلَيْهِمْ |
|
وَيَبْكِي إِنْ دَنَوْا خَوْفَ
الْفِرَاقِ |
فَتَسْخَنُ عَيْنُهُ عِنْدَ
الْفِرَاقِ |
|
وَتَسْخَنُ عَيْنُهُ عِنْدَ
التَّلاَقِي |
وَالْعِشْقُ وَإِنِ
اسْتَلَذَّ بِهِ صَاحِبُهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ عَذَابِ الْقَلْبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَلْبَهُ
أَسِيرُ قَبْضَةِ غَيْرِهِ يَسُومُهُ الْهَوَانَ، وَلَكِنْ لِسَكْرَتِهِ لاَ
يَشْعُرُ بِمُصَابِهِ، فَقَلْبُهُ:
كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا
حِيَاضَ |
|
الرَّدَى، وَالطِّفْلُ يَلْهُو
وَيَلْعَبُ ([2]). |