تَقضِي على العِرْض
والدِّين، وتَنزِع الحيَاءَ والمُروءَة؛ فيَجبُ على القيِّمينَ على النِّسَاء أنْ
يقومُوا عَليْهن بالرِّعايَة والحِمَاية؛ لأَنَّهن ضَعيفَات، فيَحفظُوهن مِن
الوُقوع في أسبَاب الفِتنَة، ويَصونُوا أَعراضَهن عنِ الكَلام؛ لأَنَّ النَاسَ لا
يَرحمُون، وأَكثرَهم يتكلَّم بالظُّنون والأَوهَام، ولا يُفكرُ فيما يَترتَّب على
كلامِه مِن الإِساءة إلى الآخرَين.
وقِصَّة الإِفكِ ذكرَها
اللهُ في القُرآن، وهي: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خرَجَ إلى إِحدَى
غزَواتِه وكانتْ معه أمُّ المُؤمنين عائشةُ رضي الله عنها ، وكانَتْ صَغيرَة، وقد
بَاتَ الجَيشُ في مكانٍ مِن البرِّ، ثم أرادُوا الرَّحيل آخِرَ الليْلِ، وكانتْ
عَائشَة رضي الله عنها قَد ذَهبتْ تَقضِي حَاجتَها، ولمْ تَعلَم أنَّهم
سَيرحَلُون، فلمَّا رَجَعَت وَجدتْهم قد رَحلُوا؛ لأنَّهم لمَّا حَملُوا الهَوْدَج
ووضَعُوه على العَادة ظنُّوا أنَّها فيه؛ لأنَّها كانتَ خَفيفَة، فلمّا جَاءت ولمْ
تجدْهم كان مِن حِنكتِها وعقْلِها أنَّها بقِيتْ في المَكان ولمْ تَذهبْ هنا أو
هنَاك، فأَدركَها النَّوم في مِكانِها.
وبينَما هي كذلك إِذا هي
تَسمَعُ بِصوتٍ يِستَرجِع، يقول: إنَّا للهِ وإنَّا إليْه رَاجِعُون. فإذا هو
صَفْوانُ بنُ المُعَطل رضي الله عنه ، كانَ متَأخرًا عن الرَّكْب وألحَق بهم،
فلمَّا أبصَرَ المكانَ وإذا فيه سَوادٌ، فجاء يتبيَّن ما هو هذا السَّواد؛ فإذا هي
عائشَة؛ لأنَّه كان يَعرِفها قبل أنْ ينزلَ الحِجَاب، فجَعل يستَرجِع، ماذا يفعل؟
هل يتركُها تَهلك في الصَّحراء أم يُنقذُها؟
فأَسدَلتْ عَائشةُ جِلبَابَها على وَجهِها، وأنَاخ صَفْوان لهَا راحلتَه، ووطَأ على يديْه لها حتى تركبَها، ثم قادَ الرَّاحِلة بها حتى لَحِق بالرَّكبِ، فلمَّا عَلِم المَنافقُون بالوَاقعَة، جَعلوا ينْسجُون الكذِب عليْهما، ويَقولُون: إنَّها مُتواعِدة معه. وهذا مِن غبَائِهم؛ لأنَّهما لو كانَا متواعدين - كما قالوا - وأنَّه شيء مقْصُود فهل يأتِي بها ويَلحَق بالرَّكْب؟! فمَجيئه بها