فَقَالَ: «فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ»، ثُمَّ
أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ،
فَقَالَ: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ
أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ»، هذا الدليل على أن صيام النفل لا يشترط له
النية من الفجر، بل إذا نواه من النهار، صح ذلك، بشرط ألا يكون أكل أو شرب بعد
الفجر، فالنبي صلى الله عليه وسلم نوى النفل من النهار، ولما عُرِض عليه طعام قال:
«أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ
صَائِمًا»، يعني: نافلة، فأروه إياه، فأكل منه.
فهذا دليل على أن صوم النفل يصح بنية من النهار، ويجوز قطعه أيضًا؛ لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، قال: «إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، وأكل، فقطع صوم النافلة من النهار،
فالصائم نفلاً لا يلزمه الإتمام، يجوز له أن يقطع الصيام، ويأكل، وكذلك لا يلزمه
أن ينوي من الليل، فيجوز أن ينوي الصيام من النهار للنافلة، بشرط ألا يكون أكل أو
شرب بعد طلوع الفجر، فالنافلة أوسع من الفريضة.
قوله رحمه الله: «وَفِي لَفْظٍ لَهُ
أَيْضًا قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ
رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ، بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ،
فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ، وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ
فَأَمْسَكَهُ»، هذا دليل على أن صيام النفل لا يلزمه إكماله، بل يجوز أن يقطعه في
النهار؛ كما أنه يجوز أن يبدأه في النهار؛ لأنه أوسع من الفريضة، وقال: الصائم
أمير نفسه، الصائم - يعني: التطوع - أمير نفسه؛ إنْ شاء أتم، وإنْ شاء لم يتم صوم
اليوم.