«فَلَمَّا
عَلاَ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَاكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا:
إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ
الْبَيْدَاءِ»، وهذا غير صحيح، وعذرهم أنهم لم يحضروا تلبيته في الوادي، ولم يحضروا
تلبيته لما ركب الراحلة، وإنما حضروا تلبيته لما علا على البيداء، وخرج من الوادي
متجهًا إلى مكة، فظنوا أنه لم يحرم، إلا لما علا على البيداء.
«وَايْمُ اللَّهِ»، هذا قَسَم، حلف
ابن عباس رضي الله عنهما.
«وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ
أَوْجَبَ فِي مُصَلاَّهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ،
وَأَهَلَّ حِينَ عَلاَ شَرَفَ الْبَيْدَاءِ»، «وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ»، يعني: أحرم في مصلاه في الوادي
عند مكان الشجرة الذي صار مسجدًا الآن للإحرام، فيه مغاسل، وفيه مرافق.
فإن الدولة - وفقها الله - بَنت في المواقيت، بنت فيها مغاسل، ووفرت فيها
المياه، وبنت فيها محلات لخلع الثياب والإحرام منها؛ ليستتر فيها، فجزاهم اللهم
خيرًا؛ حيث إنهم هَيَّؤوا هذه المواقيت، وكان الناس من قبل يأتون إليها في شدة
البرد، ويُحرمون، يصيبهم البرد، يحرمون من غير بنيان يستترون به، وكانوا - أيضًا -
يتعرون لخلع ثيابهم؛ لأنه ليس عندهم مبانٍ يستترون فيها.
والآن - والحمد لله - أُمِّنَت لهم هذه الأمور في جميع المواقيت الخمسة،
كلها بُنيت على هذا الشكل، ووُفِّرت فيها المياه، ووفرت فيها الأمكنة التي يختلي
فيها من يريد الإحرام، فيخلع ثيابه، ويلبس ثياب الإحرام، ولا يراه أحد حتى يخرج
منها.