ومع ذلك صَبَرُوا واحتَسبُوا وتمَسَّكوا بدِينِهم، وتركُوا أموالَهم
وأولادَهم وديارَهم: {يَبۡتَغُونَ
فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ
أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ} [الحشر: 8]، هؤلاء هم المهاجرون الذين شهد الله لهم من
فوق سبع سموات. فهل حاز أحد من غير المهاجرين هذه الفضيلة؟!!!.
أمَّا الأنصارُ فقد جاء فيهم قولُه تعالى: {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ
وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ
وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [الحشر: 9]، هذه
صِفاتُ الأنصارِ رضي الله عنهم، أثْنَى بها اللهُ جل وعلا عليهم، وحكم لهم
بالفلاح: {فَأُوْلَٰٓئِكَ
هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [الحشر: 9] ووصَفَهم بالإيثارِ على أنفسِهم ولو كانَ بهم خَصَاصة.
ومنْ بعدِهم التَّابعون وأتباعُ التَّابعين إلى أنْ تقومَ السَّاعة، فهُم دونَهم في الفَضْلِ: {وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ} [الحشر: 10] من بعدِ المُهَاجِرين والأنصارِ يَترَضَّون ويَستغْفِرون لهم ويَصفُونهم بالسَّبقِ إلى الإيمان، ويدعُون اللهَ أنْ لاَ يحَصُلَ في قلوبِهم غِلٌّ لهُم وأنْ يُطهِّرَها مِن بُغْضِهم: {يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]، ويدعون اللهَ أنْ لا يجعلَ في قلوبِهم غِلًّا وأنْ يُطهِّرَها من بُغضِهم، وهذا الَّذي يَجِبُ علينا نحوَهم، يَجِبُ على كُلِّ مسلمٍ أنْ يتَّصِفَ بهذه الصِّفاتِ الَّتي ذكَرَها اللهُ نحوَ المهاجرين والأنصَارِ: {يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] أي: بغضًا وحقدًا، {لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]، فيَجِبُ علينا أن نكونَ كذلك مع صَحَابةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.