ولمَّا تُوُفِّي الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم قام الرِّجالُ من أصحابِه
بحَمْلِ دينِه، والدَّعوةِ إليه، ونَشْرِه في المَشَارِقِ والمَغَارِب، والجِهادِ
في سبيلِه، حتَّى بلَغَ المَشَارقَ والمَغَارِبَ على أيدي أصحابِ رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم، يَنشرُون العلمَ والدَّعوةَ والجِهادَ في سبيلِ الله، حتَّى
استنارَ هذا الدِّينُ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، وبلَغَ مبْلِغَ اللَّيلِ والنَّهار،
كما أخَبَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
فالصَّحابةُ رضي الله عنهم هُم أفضلُ القُرُون؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:
«خَيْرُكُمْ قَرْنِي»، فكُلُّ مَن جاء
بعدَهم فهُو دونَهم في الفَضِيلة، فلا يَسبِقُهم أحدٌ، ولا يُساوِيهم أحد، حَسْبك
أنَّهم صَحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، الَّذين رَأَوه وآمنُوا به، وتلقَّوا
عنه العِلم، وجَاهَدُوا معه صلى الله عليه وسلم، وآوَوْه ونَصَروه، واتَّبعُوا
النُّورَ الَّذي أُنزِلَ معه، أبَرُّ النَّاسِ قُلُوبًا وأصْدَقُهم ألْسُنًا
وأغزرُهم عِلْمًا، اختارَهم اللهُ لصُحبةِ نبيِّه.
والصَّحابةُ أنصارٌ ومُهَاجِرُون، المُهاجِرُون: الَّذين هَاجَرُوا
من دِيارِهم إلى دارِ الهِجرةِ لنُصرةِ الإسلام، والأنصار الَّذِين آوَوا
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وآوَوا المُهَاجرين في بلدِهم، وحَمُوهم ووَاسُوهم
في أموالِهم وبيوتِهم، حتَّى صاروا لُحْمةً واحِدة؛ ولهذا قالَ سبحانه وتعالى
لمَّا ذكَرَ قِسمةَ الفَيْء: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ
عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ
وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ
بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ
٧ لِلۡفُقَرَآءِ
ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ
فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ
أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ٨} [الحشر: 7، 8].
شَهِد اللهُ لهم بِالصِّدق، وحَصَر الصِّدقَ فيهم لكمالِ مَدحِهم رضي الله عنهم. فقد أُخْرِجوا من دِيارِهم ومَوَاطنِهم وبُيوتِهم من قِبَل الكُفَّار،