نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ
أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ» ([1]). فلَو أنَّ إنسانًا
تَصَدَّقَ بمِثلِ جَبلِ أُحُدٍ ذَهبًا، ما سَاوَتْ صَدقتُه في الأجرِ والفَضْل
المُدَّ من الشَّعيرِ يتصَدَّق به صَحَابي من صحابةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم،
ولا نِصْف المُد ولا نَصِيفَه، وذلِك هو فَضْلُ الصَّحابةِ رضي الله عنهم،
فالصَّدقةُ منهم ولو كانَتْ قَليلة أفضَلُ من الصَّدقةِ من غيرِهم ولو كانتْ
كثيرةً خالصةً لله.
فلا يَتنَقَّصُ الصَّحابةَ أو يَسُبُّهم أو يُقلِّل من قدرِهم، إلاَّ مَن
ليسَ في قلبِه إيمان؟ بل إلاَّ مَن في قَلبِه غِلٌّ وحِقدٌ عليهم، يقولُ اللهُ جل
وعلا عن المؤمنين أنَّهم يقولون: {وَلَا تَجۡعَلۡ فِي
قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].
فحَقُّ الصَّحابةِ علينا أنْ نحترمَهم، ونُجِلَّهم، ونُحبَّهم، وأنْ
نقتدِيَ بهم، وأنْ نَتَّبعَ آثارَهم؛ لأنَّهم صَحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه
وسلم، فاللهُ يُحبُّهم، والرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يُحبُّهم، وكُلُّ مَن في قلبِه
إيمانٌ فإنَّه يُحبُّهم، ولا يُبغِضُهم إلاَّ مَن ليسَ في قلبِه إيمانٌ، فهُو
إمَّا كافرٌ وإمَّا منافق، نَسْألُ اللهَ العَافية.
فنحن نذكُرُ صَحَابةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالثَّناءِ والدُّعاءِ والإجْلاَل، ونترَحَّم عَليهم، ونُعَظِّمُهم كمَا يجِبُ مِن غيرِ غُلُو، ومِن غيرِ تَسَاهُل، بل نُحِبُّهم كمَا أمرَنا اللهُ جل وعلا ورسولُه صلى الله عليه وسلم، لِمَا قامُوا به من أعمالٍ جَليلةٍ لَمْ يَقُمْ ولَن يقومَ بِها غيرُهم ممَّن جاءَ بعدَهم. ولا سِيَّما الخُلَفاءُ الرَّاشِدون أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ وعَليٌّ رضي الله عنهم، فأبو بكر رضي الله عنه أوَّلُ رجلٍ آمَن به وناصَرَه وحمَاه، وصَبَر معه وساعَدَه بمالِه ولازَمَه في كُلِّ مَوقف، وصاحَبَه في الغَار والهِجرةِ والجِهاد. ولمَّا تُوُفِّي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قامَ
([1])أخرجه: مسلم رقم (2540).