وأَسْمَعَه شَيئًا منَ
القُرآنِ الَّذي نزَلَ عليه، فقال: «هَذَا
هو النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى» ([1]). يعني: جِبْريل
عليه السلام، ويعني أيضًا القُرآنَ الَّذي سَمِعه، ثمَّ إنَّه هدَّأ من رَوْعِه
وطَمْأَنه أنَّه هذا من عندِ اللهِ عز وجل، وأنَّ هذا هو الَّذي كان ينزِلُ على
الأنبياء.
فاطْمَأَنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلك، حتَّى أنزلَ اللهُ
عليه قولَه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلۡمُدَّثِّرُ ١قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢} [المدثر: 1، 2]، قال الشَّيخُ محمدٌ بنُ عبدِ الوهَّاب
رحمه الله: «نُبِّئ باقْرَأ، وأُرسِل بالمُدَّثِّر». فقوله: {ٱقۡرَأۡ
بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] هذا تنبئةٌ له صلى الله عليه وسلم، فكان
بذلك نَبيًّا ثُمَّ أنزلَ اللهُ عليه سورةَ المُدَّثِّر، وأمرَه بِالقيامِ
والإنذارِ والدَّعوةِ إلى اللهِ عز وجل، وهذا إرسالُه، فقام يدعُو إلى اللهِ في
وسطٍ كافِرٍ وَثَنِي، عُتَاة، فلقِيَ ما لَقِيَ مِن أذَاهُم، ولكِنْ مع هذا أسلمَ
مَن أرادَ اللهُ هِدايتَه من أفرادِ النَّاس، أسلَمَ معه أفرادٌ قَلِيلُون على
خُفْيَةٍ من قُريْش، ثمَّ أسلمَ حمزةُ رضي الله عنه عمُّ الرَّسول صلى الله عليه
وسلم، وأسلمَ عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه، وكانا رجُلَين قَوِيَّيْن
مُهَابَين، فبإِسْلاَمِهما قوَّى اللهُ المسلمين، وصاروا يَخرُجون إلى المَسجدِ
الحَرامِ ويُصلُّون فيه ويَطُوفُون.
واستمرَّ صلى الله عليه وسلم في دَعوتِه، وكان يَستجِيبُ له الأفرادُ على خُفية وعلى خَوفٍ من المُشْركين، وتَهديدِهم، ولمَّا اشتدَّ ضغطُ المُشْركين على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه؛ خُصوصًا المُسْتَضْعَفين الَّذين ليس لهم قبائلُ تَحمِيهم، حيثُ تَسلَّط عليهم الكفَّارُ أكثر من غيرِهم، أذِن صلى الله عليه وسلم لهم بِالهجرةِ إلى الحَبشةِ فِرارًا بدينِهم، وكانتِ الحَبشةُ على دِينِ النَّصَارى، وكان فيها ملِكٌ يقالُ له: النَّجَاشي، كان نَصْرانيًا،
([1])أخرجه: البخاري رقم (3)، ومسلم رقم (160).