البيعة الثَّانية على أنْ
يُهاجِرَ إليهم، وأنْ يَنْصُروه، وأنْ يَمنَعوه ممَّا يَمنعُون منه أنفسَهم
ونساءَهم وأولادَهم.
وبعدَ ذلك أذِن الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه بالهجرةِ إلى
إخوانِهم -الأوسِ والخزرِج- في المدينة، فهاجَرَ العددُ الكبيرُ خُفْيةً وعلى
مُطَارَدةٍ من الكفَّارِ، وبقيَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم في مكَّة بعدَ من
هَاجَر من أصحابِه، ثمَّ أذِن اللهُ له أنْ يَلحَقَ بأصحابِه. فخَرجَ هو وأبو بكرٍ
الصديق رضي الله عنه واختفيَا في غارِ ثَوْر، وبَحثَتْ قُريشٌ عنهما في كلِّ مكان،
ووَضَعَتِ الأموالَ والجَوَائزَ لمَن يأتي بِهِم أحياءً أو أمواتًا، حتَّى إنَّهم
جاؤُوا ووقَفُوا على الغارِ وفيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصاحبُه؛ فأخَذَ
اللهُ أبصارَهم فلَم يَرَوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم وصاحبَه رضي الله عنه،
وهُم عندَ أقدامِهم، حتَّى قالَ أبو بكرٍ رضي الله عنه للرَّسولِ صلى الله عليه
وسلم: لو أنَّ أحدَهم نَظَر تحتَ قَدَميه لأبْصَرَنا، فقالَ الرَّسولُ صلى الله
عليه وسلم «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ
بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟» ([1]) فأعْمَى اللهُ بصائرَ
المُشْرِكين، فلَم يَرَوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم، فرَجِعُوا خَائِبين.
فأنزَلَ اللهُ في ذلك: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ
نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ
هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ
تَرَوۡهَا} [التوبة: 40].
وبعدَ أيَّام، وبعدَ أنْ يَئِس المُشرِكون مِن العثورِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصاحبِه رضي الله عنه، ركِبَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم وصاحبُه الرَّواحِل، وخَرَجا من الغارِ، ومعَهما الدَّليلُ يَدُلُّهما الطَّريقَ إلى المَدينة، ولما قَدِموا المدينةَ بسلاَمَةِ الله، اسْتَقْبَلهم المُسلِمون مِن الأوسِ والخَزْرَجِ والمهاجرين مُبْتَهِجين بمَقْدمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وتلك بعضُ مَلامِحِ بدايةِ دعوةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3653)، ومسلم رقم (2381).