وهو ما جاءَ به رسولُهُ
صلى الله عليه وسلم، وتَرَكَ أُمَّتَهُ عليهِ؛ حيثَ ترَكَ صلى الله عليه وسلم
أُمَّتَهُ عَلَى البيضاءِ، ليلُها كَنهارِها، لا يزيغُ عَنها إلاَّ هالِكٌ.
وقالَ صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ
فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ
وَسُنَّتِي» ([1]).
وما جاءَ التَّفرُّقُ في الكتابِ العزيزِ إلاَّ مَذمُومًا ومُتَوَعَّدًا
عليه، وما جاءَ الاجتماعُ عَلَى الحقِّ والهُدَى إلاَّ مَحمُودًا ومَوعُودًا عليهِ
بالأجْرِ العظيمِ، لما فيه مِن المَصالحِ العاجلةِ والآجلةِ.
وجاءَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في السُّنَّةِ أحاديثُ كثيرةٌ
تأمرُ بِلزُومِ الجماعةِ.
قالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً،
وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ
إلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي»
([2]).
فأخْبرَ الرسول صلى الله عليه وسلم فِي هذا الحديثِ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ
يَحصُلَ تفرُّقٌ في هذِه الأُمَّةِ، وهو لا ينطِقُ عَنِ الهَوَى، لا بُدَّ أنْ
يحصُلَ ما أخبرَهُ بهِ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإخبارُ مِنه صلى الله عليه وسلم مَعناهُ النَّهيُ عَنِ التَّفرُّقِ،
والتَّحذيرِ مِن التَّفرُّقِ؛ ولهذا قال: «كُلُّهَا
فِي النَّارِ إلاَّ وَاحِدَةً».
ولمَّا سُئِلَ عنها صلى الله عليه وسلم: ما هذه الواحدةُ النَّاجِية؟. قال:
«مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ
الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي».
فمَن بَقِيَ عَلَى ما كانَ عليه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ، فهو مِنَ النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ، ومَنِ اختلفَ عَن ذلِكَ فإنَّهُ مُتوعَّدٌ بالنَّارِ، عَلَى حسبِ بُعْدِهِ عَنِ
([1])أخرجه: الدارقطني رقم (4606)، والبزار رقم (8993)، والحاكم رقم (319).