الفِرقةُ الأولى:
القَدَرِيَّة
فأوَّلُ ما حدثَ، فِرقَةُ «القَدَرِيَّة» في آخِر عهدِ الصَّحابةِ.
«القَدَرِيَّةُ»: الذين يُنكِرونَ القَدَرَ، ويقولون: إِنَّ ما يجرِي في هذا
الكونِ ليس بقَدَرٍ وقَضاءٍ مِنَ اللهِ سبحانه وتعالى، وإنَّما هو أمْرٌ يَحدُثُ
بفِعلِ العبدِ، وبدُونِ سابقِ تقديرٍ مِنَ اللهِ عز وجل، فأنكَرُوا الرُّكْنَ
السَّادِسَ مِن أركانِ الإيمانِ، لأنَّ أركانَ الإيمانِ سِتَّةٌ:
الإيمانُ باللهِ، وملائكتِه، وكُتُبهِ، ورُسُلهِ، واليومِ الآخرِ،
والإيمانُ بالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّهِ، كَلُّهُ مِنَ اللهِ سبحانه وتعالى.
وَسُمُّوا «بالقدرية»، وسُمُّوا «بِمَجُوس» هذه الأمة، لماذا؟
لأنَّهُم يزعمونَ أنَّ كُلَّ واحدٍ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفسِهِ، ولم يكُنْ ذلك
بتقديرٍ من اللهِ؛ لذلكَ أَثْبتُوا خالقَيْنِ مع اللهِ، كالمَجُوسِ الذين يقولونَ:
«إِنَّ الكَونَ له خالقانِ: «النُّورُ، والظُّلْمَةُ»، النُّورُ خَلَقَ الخيرَ،
والظُّلْمةُ خلقَتِ الشرَّ».
«القدَرِيَّة» زادُوا عَلَى المَجُوس؛ لأنَّهم أثْبتُوا خالقَيْنِ
مُتعدِّدَيْنِ، حيثُ قالوا: كُلٌّ يَخلُقُ فِعْلَ نفسِه؛ فلِذلكَ سُمُّوا بـ «مجوس
هذه الأمة».
وقابَلتْهُم «فِرْقَةُ الجَبْرِيَّة» الذينَ يقولونَ: «إِنَّ العبدَ
مَجبورٌ عَلَى فِعلِه، وليسَ لَهُ فِعْلٌ ولا اختيارٌ، وإنَّما هو كَالرِّيشةِ
الَّتِي تُحرِّكُها الرِّيحُ بغيرِ اختيارِها».
فهؤلاءِ يُسَمَّوْنَ «بالجبرِيَّةِ» وهُمْ «غُلاةُ القدرِيَّة»، الذين غَلَوْا في إثباتِ القَدَرِ، وسَلَبُوا العبدَ الاختيارَ.
الصفحة 1 / 33