ومُرتكِبُ الكبيرةِ هو: الزَّانِي مثلاً، والسارقُ، وشاربُ الخمر؛ يرَون
َأنَّهُ كافرٌ، في حينِ أنَّ أهلَ السُّنَّة والجماعةِ يرَوْنَ أنَّهُ «مسلِمٌ
ناقِصُ الإيمانِ» وَيُسمُّونَهُ بالفاسقِ المِلِّيِّ؛ فهو «مُؤمِنٌ بإيمانِه
فاسِقٌ بِكَبِيرتِه»؛ لأنَّهُ لا يُخْرِجُ مِن الإسلامِ إلاَّ الشِّركُ أو نواقِضُ
الإسلامِ المعروفةُ، أمَّا المعاصي التي دُونَ الشِّرْكِ، فإنَّها لا تُخرِجُ مِن
الإيمانِ، وإنْ كانتْ كبائِرَ، قال اللهُ، تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ} [النساء: 48].
و«الخوارِجُ» يقولونَ: مُرتَكِبُ الكبيرةِ كافِرٌ، ولا يُغفَرُ له، وهو
مُخلَّدٌ في النَّارِ. وهذا خلافُ ما جاءَ في كتابِ اللهِ، سبحانه وتعالى.
والسَّببُ: أنَّهُم ليسَ عِندهم فِقْهٌ.
لاحِظُوا أنَّ السَّببَ الذي أَوْقَعهُم في هذا أنَّهُم ليسَ عِندهم
فِقْهٌ؛ لأنَّهُم جماعةٌ اشتَدُّوا في العبادةِ، والصَّلاةِ، والصِّيامِ، وتلاوةِ
القُرآنِ، وعِندهم غَيْرةٌ شدِيدةٌ، لكنَّهُم لا يَفْقَهُونَ، وهذه هي الآفَةُ.
فالاجتهادُ فِي الوَرَعِ والعبادةِ؛ لا بُدَّ أن يكونَ مع الفقهِ في
الدّينِ والعِلم.
ولهذا وَصَفَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه، بأنَّ الصَّحابةَ يَحقِرُونَ صَلاتَهُم إلى صَلاتِهم، وعبادَتَهُم إلى عبادَتِهِم، ثُمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» ([1])، مع عِبادَتِهم، ومعَ صَلاحِهم، ومع تَهَجُّدِهم، وقيامِهم باللَّيلِ، لكنْ لَمَّا كانَ اجتهادُهم ليسَ عَلَى أصْلٍ صحيحٍ، ولا عَلَى عِلْمِ صحيحٍ، صارَ ضلالاً ووباءً وشَرًّا عليهِم وعَلَى الأُمَّةِ.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3610)، ومسلم رقم (1063).