×

وما عُرِفَ عَنِ «الخوارجِ» في يومٍ مِنَ الأيَّامِ أنَّهُم قاتَلُوا الكُفَّارَ، أبدًا، إنَّما يُقاتِلُونَ المسلمينَ، كما قال صلى الله عليه وسلم: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِْسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَْوْثَانِ» ([1]).

فما عَرفْنا في تاريخِ «الخَوارجِ»، في يومٍ من الأيَّامِ أنَّهُم قاتَلُوا الكُفَّارَ والمُشرِكينَ، وإنَّما يُقاتِلونَ المُسلمين دائمًا: قَتلُوا عُثمانَ. وقَتلُوا عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وقتلُوا الزُّبيرَ بنَ العوَّامِ، وقتَلُوا خِيارَ الصَّحابةِ. وما زالوا يقتلُونَ المسلمينَ.

وذلك بسببِ جَهلِهِم في دِينِ الله عز وجل، مع وَرَعِهم، ومع عبادَتِهم، ومع اجتهادِهم، لكِنْ لَمْ يكُنْ هذا مُؤَسَّسًا عَلَى عِلْمِ صحيح، صار وبالاً عليهم؛ ولهذا يقول العَلاَّمةُ ابنُ القيِّمِ في وَصفِهِم:

وَلَهُمْ نُصُوصٌ قَصَّرُوا فِي فَهْمِهَا

 

فَأَتَوْا مِنَ التَّقْصِيرِ فِي العِرْفَانِ ([2])

فَهُم اسْتَدَلُّوا بِنُصُوصٍ، وهُم لا يفهمُونَها، استدلُّوا بنصوصٍ من القُرآنِ والسُّنَّةِ؛ في الوعيدِ عَلَى المعاصي، وهم لا يَفهمُونَ معناها، لم يرجعوها إلى النُّصوصِ الأخرى، التي فيها الوعد بالمغفرة، والتوبة لمن كانت معصيته دون الشرك؛ فأخذوا طرفًا وتركوا طرفًا، هذا لجهلهم.

والغيرة عَلَى الدِّينِ والحَماسِ لا يَكفِيانِ، لا بُدَّ أنْ يَكُونَ هذا مُؤسَّسًا عَلَى عِلْمٍ، وعَلَى فِقْهٍ في دِينِ اللهِ عز وجل، يكونُ ذلك صادرًا عن عِلْمٍ، وموضعًا في محلِّهِ.

والغَيرةُ عَلَى الدِّينِ طَيِّبَةٌ، والحماسُ للدِّينِ طَيِّبٌ، لكنْ لا بُدَّ أنْ يُرَشَّدَ ذلك باتِّباعِ الكتابِ والسُّنَّةِ.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3344)، ومسلم رقم (1064).

([2])من نونية ابن القيم المسماة: «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية»، (ص: 97).