ووصف اللهُ تعالى القرآنَ
بأنه مباركٌ، ففيه البركةُ بكلِّ معانيها، فمن يتدبرْه يحصُلْ على هذه البركة، ومن
تعلمَه يحصلْ على هذه البركة، ومن قرأه وتلاه يحصُلْ على هذه البركة، ومن عمِل به
حصلَ على البركة، وكلَّما قرُبْت منه حصُلْتَ على هذه البركة.
وقال سبحانه وتعالى:
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ
وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} [النساء: 82]، فاللهُ يستنكر على هؤلاء الذين أعرضوا عن
كتابِ اللهِ عز وجل، وأنه قد سبَّب لهم هذا الإعراضُ الحيرةَ والضلال، ولو أنهم
تدبروا كتابَ اللهِ وأقبلوا عليه وتأملوا فيه لحصُلت لهم الهدايةُ، ولانتقلوا من
حالةِ الشقاءِ إلى حالة السعادة، ولو تدبروه لعرفوا أنه كلامُ اللهِ؛ لأنه لا
يتناقضُ، بل يُصدِّقُ بعضُه بعضًا، ويفسرُ بعضُه بعضًا، ويُشبه بعضُه بعضًا في
الحُسنِ والبلاغةِ والصدقِ والإعجاز؛ فليس فيه اختلافٌ، بل يُصدِّقُ بعضُه بعضًا،
ويُوضح بعضُه بعضًا، ويُؤيدُ بعضُه بعضًا؛ فهو كتابٌ مُتآلِف ومُتشابه، قال اللهُ
سبحانه وتعالى: {ٱللَّهُ نَزَّلَ
أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا} [الزمر: 23]، أي
يُشبهُ بعضُه بعضًا في الحُسنِ والإتقانِ والصدقِ، ويُفسرُ بعضُه بعضًا، وليس فيه
اختلافٌ أبدًا.
بخلافِ كلامِ
المخلوقِ فإنه يوجد فيه الخللُ؛ لأن المخلوقَ ناقصٌ وفيه تناقضٌ، وربما يُكذب
بعضُه بعضًا، أما كلامُ الخالقِ جل وعلا فإنه مُنزَّهٌ عن ذلك؛ فهو كتابٌ متقنٌ
محكَمٌ ليس فيه خللٌ، وليس فيه نقصٌ وليس فيه تناقضٌ، مما يدل على أنه تنزيلٌ من
حكيمٍ حميد، قال اللهُ تعالى: {كِتَٰبٌ
أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
فإذا قرأتَ القرآنَ بتدبرٍ وتمعُّنٍ وحضورِ قلبٍ وتفكُّرٍ في معانيه؛ فإنه يُزيلُ عنك أوهامًا كثيرةً ووساوسَ عظيمةً، ويبعثُ في قلبك الطمأنينةَ