فاللهُ سبحانه وتعالى يومَ القيامةِ يقولُ للكفرةِ
وأصحابِ النارِ: ألستُ قد بيَّنتُ لكم في القرآنِ الكريمِ هذا المصيرَ وهذه
العاقبةَ من أجلِ أن تتجنبوها، ومن أجلِ أن تعملوا الأعمالَ الصالحةَ التي تنقذُكم
منها؟
فمنِ اقتصرَ على
تعلُّمِ القرآنِ وتلاوةِ القرآنِ وتدبرِه ولم يعملْ به، فهذا أقامَ الحجَّةَ على
نفسِه؛ ولهذا يقولُ بعضُ السلف: «رُبَّ قارئٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعنُه». قالوا:
وكيف ذلك؟ قال: «يقرأُ قولَ اللهِ سبحانه وتعالى: {فَنَجۡعَل
لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} [آل عمران: 61] وهو
يكذبُ، ويقرأُ قولَ اللهِ سبحانه وتعالى: {أَلَا
لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ} [هود: 18] وهو
يظلم».
فليس المطلوبُ من
قراءةِ القرآنِ هو مجردُ التَّغني بألفاظِه والتلذذُ بالصوتِ الجميل، فإن هذا لا
يكفي ولا يُفيد، كما يفعلُ بعضُ الناسِ اليومَ، فقد اتخذوا تلاوةَ القرآنِ حرفةً
للتطريبِ ولتشنيفِ الأسماع، يتلذذون بسماعِ القرآنِ ويلذذون آذانَهم، ولكنهم لو
سُئلوا عن العملِ والتطبيقِ لم تجدْ إلا القليل، فهذا لا يكفي ولا يُفيد.
نعم، مطلوب تحسينُ
الصوتِ بالقرآنِ والأداءُ الحسن؛ لأن هذا يُؤثرُ، ولأن هذا يليقُ بالقرآن، ولكن لا
يكون هذا هو المقصود، بل يكونُ المقصودُ أن ينتفعَ الإنسانُ بالقرآنِ، وأن يستفيدَ
ويخشعَ إذا سمعه؛ والرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ أن يستمعَ القرآنَ من
غيرِه، فكان صلى الله عليه وسلم يستمعُ إلى قراءةِ أبي موسى الأشعري -وكان ذا صوتٍ
حسن -.
وأمرَ عبدَ الله بنِ مسعودٍ أن يقرأَ عليه ليستمعَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: كيف أقرأُ عليك وعليك أنُزِل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني أُحبُّ أن أسمعَه من غيري». فقرأ عبدُ اللهِ بنُ مسعود رضي الله عنه من أولِ سورةِ النساء حتى بلغ{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۢ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ