×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

 قال تعالى: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ ويراد بهم اليهود؛ لأن الله أنزل عليهم التوراة والإنجيل، وكان المفروض أن يؤمنوا به وأن يتمسكوا لكنهم على العكس. وفي هذا تعبير لهم؛ لأنهم عَصَوا الله على بصيرة لا عن جهل، فهم أُوتوا نصيبًا من الكتاب وعلموا الحق، لكنهم لا يريدون الحق، وإنما يريدون أهواءهم ورغباتهم. هذا صنيعهم مع الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ [البقرة: 87]، وقال تعالى: {كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ [المائدة: 70].

إذًا لا يُستغرَب موقفهم من خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

فهم يُدْعَون إلى كتاب الله - أي: إلى التوراة التي معهم - ليحكم بينهم؛ لأن الواجب عند النزاع أن يُرَد النزاع إلى كتاب الله؛ {فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ [النساء: 59]، والله أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، أنهم إذا اختلفوا يرجعون إلى كتاب الله، سائر المسلمين يرجعون إلى كتاب الله ومَن كان هدفه الحق. أما الذي ليس هدفه الحق فهذا لا يَقبل الكتاب، يريدون القوانين الوضعية ويريدون الأنظمة البشرية. هذا شأنهم في كل زمان وفي كل مكان.

قيل: إن سبب نزول هذه الآية أنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه، فالله عز وجل قد بَيَّن صفات محمد وعلاماته في التوراة، فكان الواجب على أهل الكتاب أن يرجعوا إلى التوراة والإنجيل؛ ليعرفوا صفات هذا الرسول صلى الله عليه وسلم منها، فهو حَاكَمهم إلى كتبهم التي بأيديهم، التي فيها وصف هذا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ


الشرح