{حَتَّىٰ
تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ﴾
[آل عمران: 92] لأنك إذا أنفقت مما تحب، فهذا دليل على قوة إيمانك وتغلُّبك على
نفسك، وأنك تقدم ما يحبه الله على ما تحبه نفسك، فتتصدق بالمال الجيد والمال
الثمين مع أنك تحبه. فكونك تتصدق به وأنت تحبه دليل على صدق إيمانك وأنك تطلب رضا
الله سبحانه وتعالى.
فهذا
فيه: الحث على الصدقة من المال الجيد. وفيه: النهي عن التصدق
من المال الرديء الذي لا ترغبه النفس، قال تعالى: {وَلَا
تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ﴾
[البقرة: 267] يعني الرديء، {مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بَِٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن
تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: 267].
فمَن
أراد أن يتصدق، فليتصدق بمال جيد ينفع؛ لأن هذا فيه فائدتان:
الفائدة
الأولى: أنه يدل على صدق الإيمان وقوة اليقين وإيثار ما عند
الله على ما تحبه النفس.
الفائدة
الثانية: أن المال الجيد أنفع للفقراء من المال الرديء.
وقد
وَصَف الله عز وجل الأبرار بقوله: {وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا
وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا﴾
[الإنسان: 8]، أي: على حبهم له، يطعمونه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا. وقال جل وعلا في
الأنصار: {وَيُؤۡثِرُونَ
عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ﴾
[الحشر: 9].
{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ﴾ [آل عمران: 92]، أيّ شيء، قليلاً كان أو كثيرًا، لكنه مما تحب، {فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [آل عمران: 92] لا يخفى عليه، بل يكتبه سبحانه ويعلمه وينمِّيه. جاء في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّل الصَّدَقَةَ مِنْ المَالِ الطَّيِب وَيُنَمِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُنَمّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ» ([1])،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1410)، ومسلم رقم (1014).