·
وبعد:
خاطب
الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقال له:
{وَلَا
يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ﴾؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على هداية الناس، وكان يحزنه إذا لم
يستجيبوا لما يدعوهم؛ لما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة؛ إشفاقًا عليهم من
العذاب؛ لأن مَن عصى الله ورسوله فإن له نار جهنم. فهو صلى الله عليه وسلم كان
يشفق عليهم، ويريد إنقاذهم من النار، كما قال تعالى: {لَقَدۡ
جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ
عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾
[التوبة: 128].
فكان
صلى الله عليه وسلم يحزن ويغتم إذا رأى مَن لا يستجيب لدعوته؛ خوفًا عليه من
العقوبة العاجلة والآجلة. وإلا فإنه صلى الله عليه وسلم لا يضره إذا عَصَوه، ولكن
يضرون أنفسهم، وهو يريد لهم الخير ويريد لهم النجاة.
وهذه
صفة الداعية الناصح، أنه يريد للناس الخير، ويدعوهم إليه، ويحذرهم من الشر.
فالرسول
صلى الله عليه وسلم كان يحزن إذا رأى منهم إعراضًا عن قَبول الحق من باب النصيحة
لهم؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى له: {فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن
لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا﴾
[الكهف: 6]، {لَعَلَّكَ
بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾
[الشعراء: 3] باخعها، أي: مهلكها؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص،
وكان يتعب في تبليغ الرسالة؛ نصيحة للخلق، يخشى عليه أن يهلك عليه الصلاة والسلام،
لما يُعَرِّض نفسه للمخاطر.
والذين {يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ﴾ [آل عمران: 176] يتمادون في الكفر، ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لا يَزيدهم ذلك إلا إمعانًا في الكفر؛ عنادًا وتكبرًا.