×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

·         وبعد:

في هذه الآيات الكريمات في ختام سورة آلِ عمران ذَكَر الله جل وعلا من أدلة توحيده خلق السموات والأرض، وأدلة التوحيد كثيرة، وبراهينه قاطعة، ومن أهمها الخَلْق، فإنه لا يقدر على الخلق إلا الله سبحانه وتعالى، لا أحد يخلق مهما كان، كما قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ [الحج: 73].

لن يخلقوا ذبابًا - أقل شيء - ولو اجتمعوا كلهم، كل مَن يُعبد من دون الله، لو اجتمعوا ما استطاعوا أن يخلقوا ذبابًا! فبَطَلت عبادتهم لعجزهم؛ ولهذا قال سبحانه: {أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [النحل: 17].

والله تحدى المشركين، فقال سبحانه وتعالى: {قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ [الأحقاف: 4]، من الأوثان والأصنام والملائكة والآدميين، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ [الأحقاف: 4]، فالله سبحانه وتعالى تحداهم، فلم يجيبوا؛ لأنهم يعلمون أن هذا شيء مستحيل؛ لأن الخلق إنما هو من اختصاص الله سبحانه وتعالى، لا يقدر عليه إلا هو.

ولهذا جاء في المصوِّرين - الذين يصورون ذوات الأرواح - أنهم يوم القيامة يعذبهم الله، ويجمع صورهم ويقول لهم: أَحْيُوا ما خلقتم. فلن يستطيعوا ذلك، وهذا من باب التعذيب، والتوبيخ لهم، والخزي لهم. وقال صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً» ([1]).

فالخلق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، والذي خلق المخلوقات هو الذي يستحق العبادة وحده، لا شريك له.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7559)، ومسلم رقم (2111).