فهذا
فيه إبطال الشرك من أصله، وأن المعبودات كلها - غير الله - عاجزة، والعاجز كيف
يُعْبَد؟! إنما يُعْبَد القادر الذي لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، فهذا من أعظم
براهين التوحيد، وذَكَر في هذه الآيات أعظم مخلوقاته، السموات والأرض. {إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾ [آل عمران: 190].
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ
وَٱلنَّهَارِ﴾ [آل عمران: 190]، يتعاقبان،
يذهب هذا ويأتي هذا، يَطول هذا ويَقصر هذا، ويستويان في بعض فصول السنة، ثم يأخذ
أحدهما من الآخر، {يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ
فِي ٱلَّيۡلِ﴾ [فاطر: 13].
هذا
من أعظم الأدلة على وحدانيته سبحانه! مَن الذي يدبر الليل والنهار، وينظم الليل
والنهار، ولا يختلفان، فلا يأتي الليل في محل النهار، ولا يأتي النهار في محل
الليل أبدًا؟! مَن الذي نظمهما؟ هو الله سبحانه وتعالى، وهذا النظام لا يختلف
أبدًا ولا يتغير، مَن الذي ضبطه وأتقنه إلا الله سبحانه وتعالى ؟! فهو المستحق
للعبادة وحده لا شريك له.
ولهذا
قال: {لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ [آل عمران: 190]، أي: دلالات وعلامات على وحدانية الله
سبحانه وتعالى وقدرته.
لكن
مَن الذي ينتفع بهذا؟
لا
ينتفع بهذا إلا أولو الألباب، أي: أصحاب العقول السليمة التي تفكر وتتدبر.
أما الغافلون وأشباه البهائم الذين لا يفكرون في هذه الأمور، فلا تنفعهم هذه البراهين؛ ولذلك يعبدون غير الله سبحانه وتعالى ممن لا يخلق شيئًا؛ لأنهم ليس لهم عقول سليمة ولا فِطَر مستقيمة؛ ولذلك انحطوا وصاروا يعبدون مَن لا يستحق العبادة ولا يخلق ولا يرزق ولا يدبر شيئًا.