هو روحٌ للقلوب، وروحُ القلوبِ أصحُّ من روحِ الأَبدانِ،
سمَّاه اللهُ روحًا لأنه تحيا به القلوبُ، فإذا خالطَ هذا القرآنُ بشاشةَ القلبِ؛
فإنه يحيى ويستنيرُ ويعرف ربَّه، ويعبد الله على بصيرة، ويخشاه ويتقيه ويخافه،
ويحبه ويجله ويعظمه؛ لأن هذا القرآنَ روحٌ تُحركُ القلوبَ، كالروحِ التي تُحركُ
الأبدانَ والأَجسام.
فكما أنَّ الروحَ
إذا دخلت الأبدانَ حركَتْها وأَحيْتَها، كذلك القرآن إذا دخلَ القلوبَ فإنه يُحييها
ويُحركها لخشيةِ اللهِ ومحبتِه، أما إذا خلتْ القلوبُ من القرآنِ؛ فإنها تموت كما
أن الجسمَ إذا خلَى من الروحِ فإنه يموت، فهناك موتان وحياتان؛ أما الموتان فهما
موتُ الجسمِ وموتُ القلب، وأما الحياتان فحياةُ الجسمِ وحياةُ القلب؛ لأن حياةَ
الجسمِ تحصُلُ للمؤمنِ وللكافرِ، والتقي والفاسقِ، بل تحصُل للإنسانِ والحيوانِ
ليس فيها ميزة، إنما الميزةُ في حياةِ القلبِ، وهي لا تحصلُ إلا لعبادِ اللهِ
المؤمنين المتقين؛ أما الكفار وأما البهائم فإنها فاقدةٌ لحياةِ القلوبِ، وإن كانت
فيها حياةُ الأجسامِ وحياةُ الأبدان.
أما المؤمنُ فإن فيه
الحياتين «حياة الجسم وحياة القلب»، والكافر فيه حياة الجسم وليس فيه حياة القلب.
فالحاصلُ: أن اللهَ سمَّى
القرآنَ روحًا بمعنى أنه تحيا به القلوبُ، وتبصر نور الله بواسطتِه، ويدلها على
نجاتِها وحياتِها، ويعرفها بخالقِها وربِّها وهاديها.
وكذلك سمَّى اللهُ
هذا القرآن نورًا، والنورُ هو الذي يضيءُ الطريقَ أمامَ الإنسانِ، ويبصر به ما أمامه
من الحفرِ والأشواكِ ليتجنبَها، ويُبصِّرُه بالطريقِ السليمِ فيمشي معه؛ أما فاقدُ
النورِ فيكونُ في ظلمةٍ؛ فلا يرى الحفرَ ولا الأشواكَ ولا الأخطارَ لأنه لا
يبصرُها.