×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

 ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ [البقرة: 267] يعني الرَّديء، {مِنۡهُ تُنفِقُونَ [البقرة: 267].

فأنت تحرص على الإنفاق في طاعة الله، وتتحرى السبل المحتاجة للإنفاق فيها، وتُخْلِص النية لله عز وجل في ذلك، وتكون نفقتك من كسب حلال، {مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ [البقرة: 267] من كسب حلال، طيب في مكسبه، وطيب أيضًا في ذاته، لا يكون من الرديء الذي لا تريده لنفسك، {لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ [آل عمران: 92]، أما أنك لا تنفق إلا الشيء الذي لا تريده، فهذا لا ينفعك شيئًا عند الله، {تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ [البقرة: 267] يعني الرديء، {وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ [البقرة: 267] لو دفعه إليك إنسان ما قَبِلتَه، فكيف أنت تدفعه للمحتاجين وهو ليس فيه نفع، أو نفعه قليل؟!

الصفة الخامسة، وهي الأخيرة: {وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ [آل عمران: 17] الاستغفار سبق أنه طَلَبُ المغفرة من الله. وهو مطلوب من المسلم في كل وقت، صباحًا ومساءً، وفي كل لحظة وفي كل ساعة.

فالمسلم يُكثر من الاستغفار، ولا يَغفل عن الاستغفار، لكن الاستغفار في آخر الليل له مزيَّة، وهو وقت الأسحار، {كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ١٨ [الذاريات: 17- 18]، فيختمون قيام الليل بالاستغفار؛ لأن هذا الوقت الذي هو السَّحَر وقت النزول الإلهي، كما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ جل وعلا: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).