ولما
رأى زكريا عليه السلام ما فعله الله بهذه المرأة الصالحة الكريمة وما أكرمها به -
وكان لا ينجب عليه السلام - تَذَكَّر لطف الله جل وعلا، فدعا ربه أن يهب له ذرية
طيبة.
قال
تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ
لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ﴾ [آل عمران: 38] فإنه قَوِي رجاؤه بالله سبحانه وتعالى
مع أنه كبير السن، وأن امرأته عاقر، لكن لم ينقطع رجاؤه بالله عز وجل ولم يقنط من
رحمة الله، ولم يترك الدعاء {قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ
طَيِّبَةًۖ﴾ما قال: «ذرية فقط» بل قال: {ذُرِّيَّةٗ
طَيِّبَةًۖ﴾، أما الذرية غير الطيبة فلا
تنفع، وضررها أكبر، إنما دعا ربه بذرية طيبة صالحة، وتوسل إلى الله باسم من أسمائه
وقال: {إِنَّكَ
سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ﴾
فهذا
فيه: مشروعية التوسل إلى الله بأسمائه كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ
ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ﴾
[الأعراف: 180].
{وَهُوَ
قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ﴾
[آل عمران: 39] يعني: في مصلاه. وهذا من أسباب قَبول الدعاء أيضًا.
{أَنَّ ٱللَّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ﴾
[آل عمران: 39]، فاستجاب الله له وبَشَّره بمولود سماه سبحانه يحيى، وذَكَر أوصاف
هذا المولود.
ثم
وَصَفه بصفات عظيمة فقال: {مُصَدِّقَۢا
بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ﴾
[آل عمران: 39] ومعناه أنه يؤمن بالمسيح، والمسيح كلمة الله، بمعنى أنه وُجِد
بالكلمة، بقوله: {كُن﴾
[البقرة: 117] من غير أب، وُجد؛ فسُمِّي كلمة الله. هذا أول صفاته، أنه يُصدِّق
برسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام.
الصفة
الثانية: {وَسَيِّدٗا﴾
[آل عمران: 39] يعني: له شأن في العلم وشأن في العبادة، وهو مرجع لبني إسرائيل. والسيد:
هو الذي يَرجع إليه قومه؛ لأنه عالِمهم وعابدهم.