×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

ولما رأى زكريا عليه السلام ما فعله الله بهذه المرأة الصالحة الكريمة وما أكرمها به - وكان لا ينجب عليه السلام - تَذَكَّر لطف الله جل وعلا، فدعا ربه أن يهب له ذرية طيبة.

قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ [آل عمران: 38] فإنه قَوِي رجاؤه بالله سبحانه وتعالى مع أنه كبير السن، وأن امرأته عاقر، لكن لم ينقطع رجاؤه بالله عز وجل ولم يقنط من رحمة الله، ولم يترك الدعاء {قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖما قال: «ذرية فقط» بل قال: {ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ، أما الذرية غير الطيبة فلا تنفع، وضررها أكبر، إنما دعا ربه بذرية طيبة صالحة، وتوسل إلى الله باسم من أسمائه وقال: {إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ

فهذا فيه: مشروعية التوسل إلى الله بأسمائه كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ [الأعراف: 180].

{وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ [آل عمران: 39] يعني: في مصلاه. وهذا من أسباب قَبول الدعاء أيضًا.

{أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ [آل عمران: 39]، فاستجاب الله له وبَشَّره بمولود سماه سبحانه يحيى، وذَكَر أوصاف هذا المولود.

ثم وَصَفه بصفات عظيمة فقال: {مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ [آل عمران: 39] ومعناه أنه يؤمن بالمسيح، والمسيح كلمة الله، بمعنى أنه وُجِد بالكلمة، بقوله: {كُن [البقرة: 117] من غير أب، وُجد؛ فسُمِّي كلمة الله. هذا أول صفاته، أنه يُصدِّق برسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام.

الصفة الثانية: {وَسَيِّدٗا [آل عمران: 39] يعني: له شأن في العلم وشأن في العبادة، وهو مرجع لبني إسرائيل. والسيد: هو الذي يَرجع إليه قومه؛ لأنه عالِمهم وعابدهم.


الشرح