ثم
قال جل وعلا: {فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ﴾
[آل عمران: 61] أي: في المسيح عليه السلام.
وهذا
رَدٌّ على نصارى نجران؛ لأن أول السورة نزل في قصة وفد
نجران الذين قَدِموا على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ لأنهم يقولون: «إن
المسيح ابن الله، وأنت تسبُّ المسيح» لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
المسيح عبد الله ورسوله. فيعتبرون هذا مَسَبة للمسيح، فالله رد عليهم وقال: {فَمَنۡ حَآجَّكَ
فِيهِ﴾ أي: اعترض أنه عبد الله
ورسوله وليس ابن الله، فادعهم إلى المباهلة.
{فَقُلۡ
تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ
وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61] أي: ندعو باللعنة على الكاذب منا أو
منكم. نجتمع في مكان، ثم نرفع أيدينا إلى الله فنقول: «اللهم الْعن الكاذب منا».
ولما
قال لهم هذا، توقفوا وخافوا خوفًا شديدًا، وأبَوا الملاعنة؛
لأنهم يعلمون أنهم هم الكاذبون، حينئذٍ توقفوا وخافوا، وتشاوروا وقالوا: «لا
تباهلوا!!» لأنهم يعلمون أنهم ليس عندهم إلا الكذب، فخافوا أن تنزل عليهم اللعنة
والسخط، وقالوا: «لا تُلاعِنوه، ولا تُباهلوه، ولكن صالحوه!!».
فصالحوا
محمدًا صلى الله عليه وسلم على دفع الجزية، وأن يَدخلوا تحت حكم الإسلام، ويدفعوا
الجزية أذلة وهم صاغرون، وخضعوا لهذا، ولم يقبلوا المباهلة.
وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم أمينًا من أمته يستلم الجزية منهم، فبَعث معهم صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وقال: «أَبْعَثُ مَعَكُمْ أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» ([1])؛ فلذلك سُمي أبو عبيدة أمين الأمة رضي الله عنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفه بذلك.
([1]) أخرجه: الترمذي برقم (3796).