ثم
إنه سبحانه وتعالى وَجَّه الخطاب إليهم جميعًا، فقال: {يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ
لِمَ تَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ﴾ [آل عمران: 70]. ما هو السبب الذي حملكم على الكفر
بآيات الله التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون أنه رسول الله، وعندكم
أوصافه في التوراة والإنجيل، {يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ﴾ [الأعراف: 157]، {يَعۡرِفُونَهُۥ
كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ﴾
[البقرة: 146]، لِمَ تَكفرون بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وبآيات الله - أي:
أدلته وبراهينه - الواضحة على أن محمدًا رسول الله إلى الناس جميعًا، بما فيهم
اليهود والنصارى؟! وهم يعترفون بأن هذا في كتابهم، ولكنهم جحدوا هذا من باب الحسد
والكِبْر والعناد، والعياذ بالله.
{وَأَنتُمۡ
تَشۡهَدُونَ﴾، أنتم تعرفون هذا، ولم
تنكروه عن جهل، وإنما أنكرتموه عن علم وعن بصيرة به.
{يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ
لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ﴾
[آل عمران: 71]، ينكر عليهم سبحانه أنهم يخلطون الحق بالباطل لأجل التغرير بالناس،
فهم لا يذكرون الحق حبًّا له، وإنما يذكرون شيئًا من الحق لأجل أن يغروا الناس
ويخلطوه بالباطل. والواجب بيان الحق وبيان الباطل، كلٌّ على حِدَة، وعدم خلط
أحدهما بالآخر.
{وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ﴾ [آل عمران: 71] الذي هو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم
وأنه من العرب، تعرفون بعثته، وتعرفون مكانه، وتعرفون بلده، وتعرفون نسبه، كل هذا
مفصَّل عندكم؛ لكن تريدون أن تحجروا النبوة في بني إسرائيل، وألا تخرج عنهم إلى
العرب.
{وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾، فأنتم تكتمون الحق الذي عليه محمد صلى الله عليه وسلم عن علم وتعمد.